Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Feb-2019

لماذا يجب أن تستمر المساعدات الأميركية للفلسطينيين؟

 الغد-دانا سترول؛ ودانييل شابيرو – (إن. بي. آر) 31/1/2019

هل تشكل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للفلسطينيين بادرة كياسة تستطيع الولايات المتحدة الاستغناء عنها؟ وهل ينطوي إلغاؤها على جعل الإسرائيليين والفلسطينيين والمصالح الأميركية أفضل حالا؟ إننا على وشك معرفة ذلك ما لم يتحرك الكونغرس وإدارة الرئيس ترامب سريعاً.
منذ العام 1993، قدمت الولايات المتحدة مساعدات للضفة الغربية وقطاع غزة فاقت قيمتها الخمسة مليارات دولار. وقد استمر هذا البرنامج السخي في ظل الإدارات الأميركية المختلفة، الجمهورية والديمقراطية، وحظي طوال هذه الفترة بدعمٍ من كلا الحزبين في الكونغرس الأميركي، على الرغم من كل التقلبات التي شهدتها عملية السلام ومن موجات العنف التي كانت تشتد حينا وتهمد حيناً آخر، ومن مشاعر الاستياء في واشنطن والقدس من (تصرّفات) القادة الفلسطينيين. غير أن هذا المشروع بأسره أصبح اليوم معرّضاً للانهيار.
أولاً، قامت إدارة ترامب بوقف كامل برنامج المساعدات الاقتصادية للعام المالي 2017 المخصص للضفة الغربية وقطاع غزة، ويبدو من المرجح أنها ستفعل الشيء نفسه في العام المالي 2018. وحاليا، تفتقر بعثة “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” إلى الأموال اللازمة للإنفاق، وهي على وشك الإغلاق، تاركة المشاريع الجارية غير مكتملة.
بعد ذلك، وفي الأول من شباط (فبراير)، بدأ سريان “قانون مكافحة الإرهاب” الأميركي أو “أتكا” (ATCA) الذي يعرض السلطة الفلسطينية للملاحقة القانونية في المحاكم الأميركية في حال قبولها أي مساعدات مالية أميركية. وكان إقرار هذا القانون في العام الماضي قد دفع رئيس الوزراء الفلسطيني رامي حمد الله (الذي استقال من منصبه يوم الثلاثاء) إلى إبلاغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في رسالة بعثها في أواخر كانون الأول (ديسمبر) بأن السلطة الفلسطينية لن تقبل بعد اليوم أي مساعدات أميركية. وسيؤدي تنفيذ هذا القرار إلى إنهاء المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لقوات الأمن الفلسطينية، وبالتالي للجهد الأميركي في تطوير هذه القوات الذي يحقق نجاحاً كبيراً -ولو أنه مخفي عمداً عن الأنظار- والذي يُسهّل التنسيق الأمني الفعال مع إسرائيل في الضفة الغربية. كما سيلغي أيضاً دور المنسّق الأمني الأميركي الذي يشغله جنرالٌ برتبة ثلاث نجوم يشرف على تدريب قوات الأمن الفلسطينية ويعمل كحلقة وصل بين مسؤولي الأمن الإسرائيليين والفلسطينيين.
حتى الآن لم يتم إجراء أي نقاش يُذكر في واشنطن حول تداعيات هذه التطورات على الاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة وحول ارتباطها الوثيق بأمن إسرائيل. كما لم يكن هناك إقرارٌ حكيم حول التداعيات الحقيقية للغاية على النفوذ الأميركي.
من السهل النظر باستخفاف إلى هذه البرامج بسبب احتضار عملية السلام وافتقار الزعماء الفلسطينيين إلى الشرعية أمام غالبية الرأي العام الأميركي، ناهيك عن موجات العنف التي تنشب بين الحين والآخر. لكن أعضاء الكونغرس، ومن بينهم العديد من أشد مناصري إسرائيل من كلا الحزبين، يدركون منذ مدة طويلة قيمة هذه البرامج. ولطالما تدفّق التمويل إلى برامج المساعدات الفلسطينية بدعمٍ من كلا الحزبين، على الرغم من خضوعه لرقابة صارمة، لأنه كان يُعتبر تعزيزاً لأمن إسرائيل ووسيلة لتوطيد نفوذ الولايات المتحدة وسلطتها.
وما يؤكد هذه الفكرة هو دعم الحكومة الإسرائيلية لهذه البرامج. فقد أدركت السلطات الإسرائيلية أن انهيار الأمن، أو الانهيار الاقتصادي، أو الأزمة الإنسانية في الضفة الغربية من شأنها أن تضع عبئاً كبيراً على إسرائيل. وإذا حدثت أزمة في الضفة الغربية فقد يستدعي ذلك قيام “الجيش الإسرائيلي” بإعادة نشر جنوده من مناطق أخرى تنطوي على درجة عالية من الخطورة مثل الحدود اللبنانية أو مرتفعات الجولان.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت المساعدات الأميركية في الحفاظ على التواصل مع المسؤولين الفلسطينيين. فخلال نوبات الغضب والأزمات، وضعت خطوط التواصل هذه الولايات المتحدة في موقف يسمح لها بتهدئة الوضع عندما كان التعاطي المباشر بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني صعباً للغاية. وفي بعض الأحيان، كان منسقو الأمن الأميركيون، من أمثال الجنرال إيريك فندت وأسلافه، هم المسؤولون الأميركيون الوحيدون القادرون على جسر الفجوة بين الجانبين في فترات التوتر الشديد.
لكن أزمة التمويل الراهنة تتعارض مع النوايا التي أعلن عنها الكونغرس الأميركي بوضوح. ففي العام الماضي، أقرت أغلبية كبيرة من كلا الحزبين “قانون تايلور فورس” الذي يهدف -من خلال حجب بعض المساعدات الأميركية- إلى إرغام السلطة الفلسطينية، من بين أمور أخرى، على إنهاء ممارستها المتمثلة في دفع الأموال إلى أُسَر الفلسطينيين المُدانين. ولكن الكونغرس صوّت بصورة لا لبس فيها على إبقاء المساعدات الرئيسية، بما فيها المعونات الإنسانية، وبرامج “من الشعب إلى الشعب”، والخدمات الطبية وغيرها من البرامج التي ليس لها صلة مباشرة بالسلطة الفلسطينية.
ومن جانبها، كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة في تأييدها لنية “قانون تايلور فورس” إنهاء المساعدات الأميركية التي يمكن حتى أن تدعم بشكل غير مباشر تمويل دفعات السلطة الفلسطينية لعائلات من تصفهم بالإرهابيين. ولكن لم يكن هناك أبداً دعم إسرائيلي لتقليص الحسابات المحمية من الكونغرس -أي البرامج المعروف عنها مساهمتها في الحفاظ على قدر من الاستقرار في الضفة الغربية ومنع حدوث أزمة إنسانية شاملة في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
بعبارة أخرى، شدد إقرار “قانون تايلور فورس” على دعم الكونغرس بكلا حزبيه لـ”استمرار” تقديم المساعدات الأميركية إلى الفلسطينيين. وقد أساء المسؤولون في إدارة ترامب، الذين نسفوا البرنامج بأكمله مستندين إلى “قانون تايلور فورس”، تفسير معنى القانون.
ما تزال مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي تدرك على نحو مؤلم أنها ستواجه العبء -المالي والأمني وغير ذلك- لمواجهة الانهيار الشامل في الضفة الغربية أو قطاع غزة، إذا ما ابتعدت الولايات المتحدة أو فقدت كامل نفوذها ومصداقيتها مع الفلسطينيين. وإذا ما خسرت قوات الأمن الإسرائيلية تعاون قوات الأمن الفلسطينية، ستجد نفسها في وضع أسوأ بكثير من الحاجة إلى التدخل المباشر لمواجهة التهديدات الأمنية في المناطق المأهولة بالفلسطينيين، بدلاً من التحرك من خلال النموذج متعدد الجوانب التي تموّله الولايات المتحدة.
ولكن إذا بقيت كافة الأطراف عالقة في المسار الحالي، فسيكون أكبر الخاسرين هم المدنيون الفلسطينيون الأبرياء وإسرائيل. أما الرابحون فهم أولئك الذين يستفيدون من انعدام الاستقرار والفرصة للإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها غير جديرة بالثقة وفي حالة تراجع من الشرق الأوسط، أي حركة «حماس» وإيران وتشكيلة من التنظيمات العنيفة الأخرى.
فيما يلي بضع خطوات يجدر بالإدارة والكونغرس الأميركيين اتخاذها على وجه السرعة لعكس المسار الحالي:
إصلاح “قانون مكافحة الإرهاب” (“أتكا”): الخطوة الأسهل في هذه المسألة هي إجراء إصلاح تشريعي صريح ومباشر. فأعضاء الكونغرس والإدارة الأميركيين يدركون أن إنهاء المساعدات الأمنية الأميركية لقوات الأمن الفلسطينية يصب فقط في خدمة الخصوم ويؤدي إلى تمكين الأعداء. ومؤخراً أضافت إسرائيل صوتها بشكل متأخر موضحةً رغبتها في استمرار المساعدات الأميركية إلى قوات الأمن الفلسطينية. وفي الواقع، يجدر بالكونغرس والإدارة الأميركية أن يذهبا إلى أبعد من ذلك ويستغلّا الفرصة التي تنطوي عليها الأزمة من أجل صون المساعدات الأمنية الأميركية لقوات الأمن الفلسطينية بصورة دائمة.
التخفيف من حدة الأضرار: إنّ ترك المشاريع الجارية التي تنفّذها “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” في الضفة الغربية وقطاع غزة -الطرق غير المكتملة، ومشاريع المياه غير المكتملة، والبرامج الإنسانية والتعليمية المجزّأة- هو إهدار كامل لأموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة. كما أن مثل هذه التذكيرات الواضحة بالتخلي الأميركي سوف تؤجج الرأي العام المحلي ضد الولايات المتحدة. ولذلك يجب على الكونغرس الأميركي أن يأذن ويخصص الأموال اللازمة بشكل صريح لاستكمال هذه المشاريع بعد دراسة معمّقة لحالة البرامج الأميركية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
طرح قوانين إيجابية بديلة: حتى لو بقيت برامج المساعدات المعهودة متوقفة، هناك اقتراحات تشريعية مبتكرة تحافظ على فسحة النفوذ الأميركي وتتمتع بتأييد كلا الحزبين. إنّ “القانون المتعلق بصندوق الشراكة الفلسطينية” الذي تم طرحه في جلسة الكونغرس الأخيرة يعزز النمو الاقتصادي من خلال ربط روّاد الأعمال الفلسطينيين والشركات الفلسطينية بنظرائهم ونظيراتها في الولايات المتحدة وإسرائيل والشرق الأوسط. كما أن فكرة إنشاء “صندوق دولي للسلام بين إسرائيل وفلسطين” التي تنادي بها المنظمة غير الحزبية “التحالف من أجل السلام في الشرق الأوسط” منذ فترة طويلة لقيت تأييداً من كلا الحزبين في جلسات الكونغرس السابقة ومن شأنها تشجيع أنشطة بناء السلام القائمة على التفاعل بين الأشخاص من خلال تجميع الأموال من مصادر حكومية وخاصة على حدٍّ سواء. وقد حان الوقت لكي يصادق الكونغرس على تمويل هذا الصندوق.
حث إسرائيل على توضيح موقفها من المساعدات الأميركية: من الطبيعي أن يلتمس أعضاء الكونغرس رأي إسرائيل في العواقب الأمنية والاقتصادية المترتبة عن إنهاء برامج المساعدات الأميركية للفلسطينيين بشكل كامل. ولكن الإجابات غامضة خلال إدارة ترامب. ولذلك، يجدر بالكونغرس أن يسارع، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في نيسان (أبريل)، إلى تكوين صورة واضحة عن وجهات نظر الحكومة الجديدة، في الوقت الذي يواصل فيه أعضاؤهه التصويت على هذه المجموعة من القضايا المثيرة للجدل.
 
*دانا سترول: زميلة بارزة في “برنامج جيدلد للسياسة العربية” في معهد واشنطن، وهي موظفة سابقة في “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ الأميركي.
*دانييل شابيرو: زميل زائر في “معهد دراسات الأمن القومي” في تل أبيب والسفير الأميركي السابق في إسرائيل.