الشاعر سعيد يعقوب: على المثقف العربي أن يهب للدفاع عن أمته بسيف الكلمة لتعرية السردية الصهيونية
الدستور-نضال برقان
على الرغم من أهمية دور المثقف الحقيقي، في مختلف الظروف التي تواجه مجتمعه، بيد أن ذلك الدور يتعاظم في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، حيث يتجلى اشتباكه الفاعل مع قضايا الأمة المصيرية. وبينما تواجه الأمة العربية تحديا مصيريا متمثلا بالعدوان الصهيوني الغاشم على الأهل في فلسطين عموما، وفي غزة على وجه التحديد، من قتل وتدمير ممنهج للبنية التحتية والصحية، ومحاولات التهجير القسرية للشعب الفلسطيني، فإننا نتوجه بمجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول دور المثقف الحقيق وما يُنتظر منه في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، إلى مجموعة من المثقفين، ومحطتنا اليوم مع الشاعر سعيد يعقوب:
* برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يقوم به المثقف العربي في ظل العدوان الغاشم الذي يقوم به الاحتلال في غزة؟
- تقع على عاتق المثقف العربي مسؤوليات جسيمة ومهمات عظيمة وأدوار كبيرة ووظائف خطيرة يمكن أن يقوم بها ولكن هذه جميعها الناظم لها هو التنوير والتوجيه والتوعية والتحذير فالمثقف بما يمتلك من أدوات إبداعية سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا أو خطيبا مفوّها أو صحفيا مميزا أو إعلاميا بارزا أو أكاديميا أو غير ذلك من مجالات الإبداع يستطيع أن يحدث أثرا ويشكل فارقا في مجتمعه على العموم في ما يستجد على هذا المجتمع من أحداث وقضايا عامة تشغل الرأي العام بما يبثه من أفكار وما يدعو إليه من تصورات وما يؤمن به من رؤى وعندما يتعلق الأمر بالقضايا المفصلية والمحطات الكبرى في التاريخ فإن دوره يتعاظم وتزداد الحاجة إلى دوره خصوصا إن كان هناك عدد كبير ممن يؤمنون بما يقوله أو يتأثرون بما يكتبه أو يتابعون ما يرسله من كلمات فهناك أشخاص مؤثرون لهم مكانتهم ولما يتفوهون به أثر كبير في نفوس من يتعلقون بهم وأعني هنا رموز الأدب والفن والفكر واليوم نلحظ أن ما يحدث في فلسطين عموما وفي غزة تحديدا أمر بالغ الخطورة فالأمر يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة إلى سيناء أو صحراء النقب والقضاء على المقاومة الفلسطينية الأمر الذي إن نجح العدو الصهيوني في تمريره فسيؤدي بالضرورة إلى تفريغ الضفة الغربية من سكانها في ظل تنامي هجمات المستوطنين المدججين بالأسلحة عليهم ونقلهم للأردن مما يعني ضياع فلسطين وضياع الأردن دفعة واحدة لا قدر الله ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الحرب الظالمة التي تشنها آلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة الآن هي حرب إبادة وتطهير عرقي تجاوزت كل الخطوط الحمر حين تستهدف الأبرياء الآمنين العزَّل وقتل المدنيين والتركيز على فئة الأطفال والنساء وهي تهاجم كل شيء البشر والشجر والحجر ولا تستثني شيئا من مظاهر الحياة في القطاع المنكوب إن ما تقوم به دويلة الكيان الصهيوني المدعومة بالغرب المتصهين الذي يمدها بالمال والسلاح والمشورة متمثلا بقدوم حاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة هي جرائم حرب مخالفة للقانون الدولي وكل المواثيق والمعاهدات الإنسانية ناهيك بالشرائع السماوية التي تحرم سفك دم الأبرياء دون وجه حق من هنا يتبين لنا عظم وخطورة المرحلة التاريخية الراهنة التي نمر بها مما يقتضي من المثقف العربي في كل مكان أن يخرج عن صمته وان يهب للدفاع عن أمته بسيف الكلمة لتعرية السردية الصهيونية التي تهدف لقلب الحقائق وتزوير الوقائع ونشر الأكاذيب حول المقاومة وفضح الجرائم التي ترتكب بحق أهل فلسطين عموما وأهل غزة تحديدا.
*يعيدني الراهن العربي إلى طبيعة العلاقة بين المثقف والحدث الراهن والمعيش، ترى لماذا لا نسمع صوتا (قويا) للمثقف العربي في اللحظات الحرجة والمفصلية من تاريخ الأمة، مثل اللحظة الراهنة التي نعيش الآن؟
- الحقيقة أن المثقفين يستشعرون الخطر قبل الآخرين بما لديهم من حدس وقياس واستشعار وذكاء ومتابعة للمستجدات وما يتولد عنها ويتناسل منها من تداعيات وهم حملة المشاعل ومن يدق عادة ناقوس الخطر منبهين ومحذرين لما يدور وهم الذين يقع عليهم واجب نشر الوعي وبيان مكامن الخطر والتأشير على الأخطاء والعيوب بهدف معالجتها قبل أن يتسع الخرق على الراتق ولذلك فإننا نجد المثقف تاريخيا وعبر مراحل الأخطار التي حاقت بالأمة يتقدم الصفوف ويحمل المشعل ويقود الجماهير وعلى سبيل المثال لا الحصر أشير هنا إلى بعض النماذج في حالتنا العربية الإسلامية من مبتدأ الدعوة الإسلامية كان لدى الرسول صلى الله عليه وسلم شعراء وخطباء يذبون عن الدعوة ويردون على الأعداء والمناوئين من أمثال حسان بن ثابت وعندما اجتاح المغول الديار الإسلامية كان هناك العز بن عبد السلام وأيضا ابن تيمية وأثناء الحروب الصليبية كان هناك القاضي الفاضل وهذا على سبيل المثال كما أسلفت لتدليل على أن المثقف لم يقف مكتوف الأيدي أمام ما يحدث ولم ينأ بجانبه أم الأحداث المفصلية والحقيقة أنني وأنا أتابع ما يجري اليوم من اعتداءات ظالمة على أهلنا وأشقائنا في قطاع غزة أرى ما يسر الخاطر ويشرح الصدر من أعداد كبيرة من مثقفينا تقف بكل قوة وشموخ وقفة العز والفخار وتأخذ دورها الطليعي في نشر الوعي بما تتحدث به عبر وسائل الإعلام العربي وما تكتبه نثرا وشعرا في صحفنا إننا نشهد اليوم هبة وموقفا مشرفا للمثقفين الذين أخذوا على أنفسهم مهمة كشف الحقائق وتفنيد المزاعم الصهيونية وإبراز الحقوق المشروعة ونأمل أن تتنامى هذه الحركة وأن يلتحق بها من لم يلتحق حتى الآن ليكون الأثر أكبر وأعظم جدوى ويؤتي ثماره المرجوة من بث الوعي ونشر الرواية الحقيقية وكشف حقيقة هذا العدو الصهيوني المجرم، الذي يسعى بكل الجهد إلى إقامة دولته من النيل إلى الفرات والي يتطلع لا يخفي مطامعه في احتلال شرق الأردن بعد القضاء على المقاومة ومواصلة مشروعه الذي يهدف إلى تدمير الأمة العربية والقضاء على الحضارة الإسلامية وهي تتمثل في عسكرة المجتمع الصهيوني فليس لديهم مدنيين بل هم جيش مجند وجيش احتياط إنهم يعلمون أبناءهم أن العربي الجيد هو العربي الميت إنهم ينشدون في مدارسهم كل صباح للنهر ضفتان الأولى لنا والأخرى أيضا لنا إنهم يحاولون التطبيع مع الأنظمة العربية ليتغلغوا في المجتمعات العربية من أجل هدمها وتقويضها من الداخل.
*ترى هل تناول المثقفين للأحداث الكبرى واللحظات المصيرية في تاريخ الأمة من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي أم سلبي على المنتج الإبداعي، ولماذا؟
- حين يتعلق الأمر بالحديث عن الإبداع فلا أعتقد أن طرق الموضوعات من حيث أهميتها أو بساطتها يؤثر على العملية الإبداعية المبدع الحقيقي يستطيع أن يكتب عن اليومي والهامشي والظلال والتفاصيل الصغيرة فيبدع ويبهر فالأمر متعلق بكيفية التناول وطريقة التعامل واللغة والأسلوب أكثر بكثير من أهمية الموضوع الذي قد يعالج قضايا فكرية أو أحداثا مصيرية أو أفكارا عظيمة ولذلك فالمبدع سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا أو غير ذلك تكتسب كتاباته أهميتها من خلال أسلوبه وطريقة إيصاله ربما للغة التي يعبر بها دور كبير في جذب المتلقي إليه ولفت الأنظار نحوه لا بما يقدمه من قضايا ربما يعبر عنها بلغة جافة غير فنية تفتقد للمرونة والسلاسة فينفر الناس منه على أهمية ما يتناول من القضايا المهمة أو الأفكار العميقة أو الأحداث المصيرية فالمعول على الطريقة والكيفية لا على الأفكار والقضايا ولكن إذا استطاع المبدع تناول هذه القضايا المهمة والأفكار العميقة بأسلوب سهل جذاب وبإقناع وتأثير وركز في كتابته على الفكر والفلسفة والعلائق التي تربط البنى الخفية للمجتمع وتصوير القلق الوجودي وسبر أعماق النفس البشرية ورصد الآمال والآلام المركوزة في أعماق الوجدان الإنساني والعمق في طرحه بطريقة فنية تقوم على التصوير والخيال والفن والأسلوب فمن الممكن ان يوصل رسائله وعند ذلك تكون لكتابته تأثير واضح في نفوس المتلقين وأعتقد أن تركيز الكاتب والمبدع على القضايا المهمة في اللحظات المصيرية للأمة أفضل من الانشغال على القضايا الهامشية لأن المبدع هو قائد من قادة التنوير وتبرز الحاجة إلى دوره الحساس في الفترات الحرجة التي تمر بها الأمة كما هو الحال اليوم واتقد أن هذا يلقي بظلال إيجابية على كتابته ويكسبها مزيدا من الأهمية والقبول فالناس اليوم تشغلها الأسئلة المتعلقة بمستقبلها ومصيرها والأخطار التي تحدق بها .