Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Aug-2017

التنمية والتعليم والإعلام في مواجهة التطرف - الدكتور محمد أبوحمور
 
الراي - ضمن الأبعاد الرئيسية في مواجهة التطرف والعنف والإرهاب، الذي تعاني منه المنطقة العربية، يتفق العديد من الخبراء على أنه لا بد من العودة إلى الإشكالية الأساسيّة المتمثلة في أزمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تعمقت منذ بداية الألفية الثالثة نتيجة التفكك بين الوحدات القطريّة لهذا الاقتصاد، وضعف الوشائج اللازمة لحركة التكامل الاقتصادي العربي، وبالتالي رجحان الضغوطات والتحديات الداخلية والخارجية في فرض تأثيراتها، والتوجّه إلى تطبيق برامج وسياسات ضمن ما يسمّى «الانفتاح الانكشافي»، والتكيّف الاقتصادي مع وجود اختلالات هيكلية، أدت إلى مزيدٍ من الإرهاق والتكاليف الاقتصادية والاجتماعية الباهظة الثمن؛ كما رأينا ذلك قبل مرحلة «الربيع العربي»، وفي أثناء هذه المرحلة؛ بما أفرزته من تداعيات ونتائج هدَّدت الأمن الاقتصادي الاجتماعي للشعوب العربية، وزادت في مظاهر التفكك الاجتماعي والتباعُد داخل المجتمعات نفسها، وجعلت صورة المستقبل العربي ضبابية.
 
فهذا المستقبل، الذي هو مستقبل الشعوب والبلاد العربيّة وأجيالها القادمة، مُهدَّدٌ فكرياً باستقطابات عنفيّة تطرفيّة، ومُهدّدٌ وجودياً بانتفاء روافع النهوض والإصلاح والتطوير، ما لم نتدارك الأمر معاً بتعميق البحث والتشخيص العلميّ الموضوعيّ لثلاثية الأزمة وثلاثية الحلّ في نفس الوقت؛ أي التنمية والتعليم والفكر.
 
وقد أثبتت الأحداث خلال السنوات القليلة الماضية التشابك الوثيق بين هذه الحلقات في بناء الإنسان وبناء الموارد والبيئة التي تحفظ على الإنسان حياته وكرامة عيشه. وبالتالي إذا تفحّصنا عوامل نشوء الاضطرابات المتراكمة فيما سمّي الربيع العربيّ، سنجدُ أن الأسباب مرتبطة بهذه الأزمة في الدرجة الأولى، وإن اتخذت طابعاً أنتجَ عنفاً وصراعات استطاعت أن تستغله قوى التطرف والإرهاب وتُجيّره لأجنداتها.
 
لقد سبق أن حذَّر التقرير النهائيّ لمشروع «مستقبل التعليم في الوطن العربي»، الذي نهض به منتدى الفكر العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي من أنَّ «الكُلفة المتواضعة لتعليمٍ سيء، يمثل في الواقع نفقات اقتصاديّة- اجتماعيّة، أكثر فداحة في المستقبل المتوسط والبعيد، لأنها تنطوي على تخريج عناصر بشريّة غير صالحة وغير مؤهلة ومنخفضة الإنتاجية»، سواء في المعايير الاقتصادية أو الإنسانية والثقافية والاجتماعية والسياسية «لمواطن المستقبل».
 
لقد رأينا نتائج هذا الواقع المحذور يتحقق في تفاقم معدّلات البطالة في الوطن العربيّ، التي بلغت نسبتُها 17,9%؛ أي ثلاثة أضعاف متوسط البطالة العالمي الذي يبلغ 6%.
 
إن وجود نسبة كبيرة من الشباب المتعطّلين عن العمل وإمكانات ازديادها في المستقبل، ولا سيما بعد ثلاثة عشر (13) عاماً، سيجعلنا في مازقٍ كبير مع دخول الفرصة السكانية عام 2030، حيث سيشكل الشباب نسبة 70% من المجتمعات العربية، بمعنى أننا سنكون أمام استحقاقات عالية الدقّة، ليس فقط في مجال توفير فرص العمل، وفي ضمان المواطَنة الحقّة والمشاركة الاجتماعية والانتقال إلى مجتمع المعرفة وثقافة العمل والإنتاج القائمة على البحث العلمي والتصنيع، وتجنّب تداعيات الاقتصاد الريعي وأخطار الإقصاء والتهميش، وإنما أيضاً في سياسات الربط بين استراتيجيات النهوض والإصلاح، وفي مقدمتها والأساس فيها إصلاح وتطوير المنظومة التربوية والتعليمية، والإعلامية كذلك.
 
* الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
 
ولا بد في هذا المجال من التركيز على العمل المؤسسي والجهود التكاملية بين قطاعات التنمية في البناء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وتعميق الجوانب الإيجابية في الشخصية الإنسانية وتأهيلها للقيام بمهامها في بناء المجتمع، بتفعيل عناصر التربية والتدريب والتأهيل ورعاية الإبداع، في الأسرة، والمدرسة، والجامعة، وبيئة العمل.
 
ولا بد كذلك من الأخذ بالاعتبار أن الثورة الاتصالية والمعلوماتية التكنولوجية، التي جاءت مع العولمة، وغيَّرت من بنية الإعلام وتدفق المعلومات، أصبحت ذات أثر على التشكيلات الثقافية المجتمعية، وأنماط السلوك والعيش، وبدأ الواقع العربي الإعلامي يشهد مظاهر صراع بين الخطابات والتوجهات السياسية والفكرية المذهبية والطائفية المتنافسة على الساحة والمرتبطة بمصالح وأجندات قوى خارجية دولية وإقليمية على السواء، فضلاً عن طغيان المضامين التجارية الاستهلاكية، مما يفرغ الخطاب الإعلامي من المضامين الثقافية المعزِّزة للتنمية والإصلاح، وبالتالي تتوافر لجماعات التطرّف والإرهاب، التي دخلت الميدان واستغلت تكنولوجيا الاتصال باحترافية، مساحة كبيرة لنشر خطابها التدميري وبث الكراهية والحقد والتحريض على الانتقام، متجاوزةً حدود الجغرافيا وحدود الرقابة، مما يعمق التناقضات في البنى الاجتماعية والثقافية، ويزيد من حدّة الانفلات في الخطاب العقائدي والطائفي، الذي أوجد حالة غير مسبوقة من الانقسامات والتشرذم، وباعد بين استثمار إيجابيات الثورة الاتصالية والتعددية الإعلامية العالمية، وانفتاح الفضاء الإعلامي لخدمة قضايا التنمية والنهوض.
 
تُشير توقعات بعض المحلّلين إلى أن ما يجري في المنطقة العربية والإقليم من أحداث وتفاعلات مستمرة منذ أكثر من ست سنوات، سيوجد معادلات أمنية جديدة، وأنماطاً ربما تكون غير مسبوقة من التحالفات، في ظلّ التشابكات الإقليمية والتدخّل الدولي في إدارة الصراعات القائمة. وهناك خُبراء يقدرون أن عملية التغيير والإصلاح وعودة الاستقرار ستستغرق من 5-7 سنوات بحد أدنى وقد تصل هذه المدة إلى 10 أو 15 عاماً، بمعنى أن قوى التطرف قادرة على البقاء خلال هذه الفترات المتوقعة بشكل نسبي، ولا شك أنها ستلجأ إلى الحفاظ–ما وسعها–على مكتساباتها على الأرض وفي نشر أفكارها. وإن كان أمر بقائها مرهوناً بالتغيرات الجيوسياسية، إلا أنَّ الفكر الصادر عنها أكثر قابلية للتغلغل بين ثنايا الفراغ، مما يفرض على مؤسسات الفكر العربي مسؤوليات مضاعفة في تطوير خطابها والتجسير مع مؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار، والمساهمة في تجديد هياكل العمل العربي المشترك للحفاظ على كيان الأمّة وهويتها ومقدراتها.