Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Nov-2017

نعم.. القاضية - د. زيد حمزة

الراي -  قبل سنوات نشب في بعض الدول العربية جدل واسع حول أهلية تولّي المرأة منصب القضاء وانتهز الذكوريون الفرصة للهجوم على المرأة وعندما انتبهوا الى ان هذه المهنة الجليلة لا تحتاج للقوة العضلية التي يتحلى بها الرجل وتُساق في العادة للتدليل على افضليته في العمل بمختلف المهن، لجأوا الى نعت المرأة بالضعف امام مشاعرها الخاصة والانسياق وراء عواطفها عند اتخاذ القرارات والاحكام بما لا يتناسب وهذه الوظيفة الصارمة الرصينة بالاضافة لاستدعائهم مخزوناً من احاديث واقوال ووقائع حُشرت في التراث زوراً توصي بألا تعمل المرأة في القضاء كالادعاء بأنها ناقصة عقل ودين!

 
لكن يبدو أن تيار التقدم في مجتمعاتنا قد نما وتطور وتجاوز هذه الأفكار المتخلفة وأبقاها جزءا من الماضي الخامل، فها هنا خبر نُشر في 15/ 9/ 2017 ولم أشأ التعليق عليه في حينه يفصح عن اندحار الدعوات الرجعية ضد المرأة في هذا المجال وجاء فيه: أصدر المجلس القضائي أمس قراراً بترفيع القاضية (فلانة) الى الدرجة العليا لتصبح أول سيدة تصل الى أعلى درجة وظيفية في السلك القضائي، ويشار الى انها قد شغلت من قبل وظيفتيْ مفتشة قضائية وقاضية استئناف اضافة الى انها كانت اول قاضية تصل الى منصب نائب عام عمان واول رئيسة محكمة لغرب عمان.
 
والملاحظ ان الخبر سماها (قاضية) مع ان ذلك أيضاً كان مثار جدل استل فيه الذكوريون سيوفهم الصدئة فنزعوا عنها تاء التأنيث بزعم تجنيبها المعنى السيء لكلمة القاضية التي تطلق في العادة على ( الضربة) وقد فنّدتُ ذلك في مقالي بالرأي في 6 تموز 2003 ،تماما كما فعلوا قبل ذلك بعشر سنين ونجحوا مع الاسف بالنسبة للنائبة فحرموها من تاء التأنيث بحجة ان الكلمة تعني المصيبة (!) وكتبتُ يومئذ معترضا في الرأي 14/ 12/ 1993.
 
ذلكم على اي حال مجرد نموذج لمحاولات الماضويين التمترس وراء الدين أو التذرع بقواعد اللغة الفصحى في دأبهم على إعاقة التقدم العنيد الذي تنهض به مجتمعاتنا بلا هوادة، والمؤسف ان كبار لغويينا حتى لا أقول مجامع اللغة العربية في كل وطننا العربي لا يتحركون للدفاع عن الحق والحقيقة تماماً كالقانونيين الذي صمتوا حين ادعى البعض ان إضافة تاء التأنيث الى منصب المدير حين تتولاه امرأة في بعض الاجهزة الحكومية مخالف للنص الحرفي للقانون المنشور في الجريدة الرسمية ولا تجوز إضافة التاء الا بتعديل قانوني ( كذا ! ).
 
ومن النماذج الأخرى ذات العلاقة الخفية الخبيثة الاشد خطراً والأكثر إساءة ما حدث في الاردن ومع الاسف في افضل برلمان عرفناه (الحادي عشر) حين استطاع التيار الاسلامي وفي غفلة من الاعضاء الآخرين ان يمرر تعديلاً على قوانين الارث يقضي بالعودة لتطبيق قاعدة ( للذكر مثل حظ الانثيين) على تركة الاراضي الزراعية بعد أن كان العثمانيون أنفسهم في امبراطوريتهم الاسلامية قد ألغوها منذ مئات السنين وأصبحوا يقسمونها على الورثة بالتساوي دون اعتبار للجنس، أما المسعى الرجعي الذي حدث قبل وقت قصير في برلماننا الحالي واستطاع أن يمرر المادة السيئة التي اعطت العذر المخفف للمغتصب لا بل كافأته بالزواج من ضحيته فقد وقف الرأي العام الاردني لها بالمرصاد ونجح في الغائها..
 
ونموذج آخر حدث في تونس مؤخراً عندما رأت في خضم ثورتها المستمرة أن تضيف جديداً الى حقوق المرأة هو حقها في ان ترث تماماً مثل الرجل طبقاً لتفسير فقهي أيده كثير من علماء الدين فيها، واذا بالآلة الدينية الضخمة في الازهر الذي يخضع عادة للحكام، تتحرك ويعلن الامام الاكبر (!) من مصر اعتراضه على نية الحكومة التونسية وبرلمانها اتخاذ هذه الخطوة الديمقراطية الجريئة.
 
وفي العراق نموذج لتحركٍ رجعي آخر باسم الدين لاختراق قانون الاحوال الشخصية المعمول به منذ صدر عام 1955 في عهد عبد الكريم قاسم واعطى للنساء حقوقاً كانت مهضومة لزمن طويل، ويريد هذا التحرك ادخال مواد جديدة عليه تسمح بانشاء محكمة شرعية طائفية خاصة خارج القضاء الشرعي القائم كي تحكم بالفقه الجعفري الذي يجيز تزويج الفتاة في التاسعة من عمرها ! كما يطلق العنان للرجل في تعدد الزوجات دون النظر للقيود الواردة في القانون الاصلي، وقد قامت ضد ذلك مظاهرات احتجاج في العراق ومن قبل جاليات عراقية في لندن وسواها.
 
وبعد.. ستظل معركة التقدم في مجتمعاتنا ناقصة ما لم يكن ناشطوها منتبهين دوماً لحقوق المرأة..