Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2019

المرأة والمؤسسات الدینیة - د. أحمد یاسین القرالة
الغد- استطاعت المرأة بجدارة واقتدار أن تقتحم الكثیر من میادین العمل التي كانت حكراً على الرجال
ُ دون الإناث، وتمكنت من ولوج العدید من المیادین التي كان ی ّ ظن أن َ الرجال وحدھم ھم ْ القادرون علیھا والمؤھلون لھا، فدخلت عالم السیاسة والاقتصاد والطب والتعلیم وغیرھا من المجالات المختلفة، وأضحت النسبة العددیة في الجامعات والمعاھد الأردنیة تمیل لصالحھا في الكثیر من التخصصات وفي مقدمتھا الشریعة الإسلامیة.
ُّ وقد أثبتت العدید من الدراسات وھو ما یؤكده الواقع أن المرأة أشد صرامةً في الالتزام بالأنظمة
ّ عن التسیب والفوضى، وبحكم عملي في ، وأكثر بعداً  والقوانین، وأقل فساداً مالیاً وإداریاً التدریس الجامعي لسنوات طویلة لمست فیھا ھذا الأمر، فوجدت عندھا الانضباطیة العالیة َ والحرص الشدید على طلب العلم والمنافسة فیھ، وألفیتھا تمتلك من المواھب الذھنیة والقدرات الإبداعیة على تكییف الوقائع ومعالجة القضایا وإصدار الأحكام والفتاوى بطریقة علمیة منھجیة بلا فرق بینھا وبین زملائھا من الذكور، إن لم یكن بنوع من التفوق والتمیز.
ولكنھا وللأسف الشدید لا تأخذھا موقعھا الذي یلیق بھا في مؤسساتنا الدینیة المختلفة، فھي محرومة من ممارسة القضاء الشرعي، مع أن ھناك العدید من الاجتھادات الفقھیة المحترمة التي تجیز لھا تولي ھذا المنصب، وفي مقدمتھا اجتھاد الإمام الطبري ( ت310ه) الذي ذھب إلى جواز أن تكون المرأة قاضیاً في الأمور كلِّھا، واجتھاد الحنفیة الذین ذھبوا إلى جواز قضائھا في القضایا المدنیة دون الجزائیة.
وإنھ لمن المثیر للدھشة والاستغراب أن تتولى المرأة القضاء المدني بكافة أنواعھ وبمختلف درجاتھ، فتحكم بالإعدام أو السجن وتقضي بالملایین من الدنانیر، ولكنھا لا تستطیع أن تكون قاضیاً في المحاكم الشرعیة تقضي بنفقة مقدارھا خمسون دیناراً أو في حضانة طفل أو تفریق بین زوجین، مع أن ھذه الأمور أقرب لطبیعتھا وألیق بأنوثتھا، وأكثر صلة بحیاتھا الاجتماعیة والأسریة.
ومع ذلك لم یمنعھا حرمانھا من دخولھا لمیدان القضاء الشرعي من أن تقتحم صالاتھ وأروقتھ، فتقف منتصبة في مواجھة القاضي تراقب أداءه وتتابع عملھ وتترافع أمامھ باعتبارھا محامیةًِّ عن الخصوم في الدعوى، فكانت كالمحامین من الرجال اقتدارا وكفاءة بالتمام والكمال.
ووكیلةً
ولم یقتصر الأمر على المیدان القضائي، بل ھو ممتد إلى مؤسساتنا الدینیة الأخرى، فلا وجود
ِ للمرأة في دائرة الإفتاء، فجمیع المفتین ھم من الذكور والوظیفة حكر علیھم وحدھم، مع أنھ لا
یوجد نص شرعي ولا حتى اجتھاد فقھي یحظر علیھا ھذا العمل كما ھو الحال في تولیھا
للقضاء؛ بل إن النص الدیني یجعلھا في ھذا الأمر كالرجل تماماً َ ، قال تعالى:“ ف ْ اسأ
ُم َون“ وأھل العلم ھم المؤھلون من الذكور والإناث، وقد تولت المرأة عبر حضارتنا الإسلامیة مھمة الإفتاء، وكانت السیدة عائشة ھي رائدة ھذا العمل، كما اشتھرت العدید من النساء بھذا الأمر وكانت تلقب بالمفتیة.
إن حرمان المرأة من دخول الافتاء الرسمي مع أنھ لا یوجد مانع شرعي یمنع من ذلك یعتبر تمییزاً بین المواطنین المتساوین في الحقوق والواجبات كما ینص على ذلك الدستور الأردني، وھو إخلال بالعدالة بین المتكافئین، وفیھ ھدر لطاقات المرأة وحرمان المجتمع من الاستفادة من قدراتھا الذھنیة واجتھاداتھا العلمیة.
ولا یختلف كثیراً حال المرأة في وزارة الأوقاف عن بقیة المؤسسات الدینیة، وإذا كانت تجربة الوزارة مع الواعظات لیست مشجعة للاستمرار فیھا لا لعیب أو ضعف في المرأة، بل لعجز الوزارة وتقاعسھا عن ابتكار الوسائل والأسالیب التي تمكن المرأة من أداء دورھا الإرشادي والوعظي للقطاع النسائي بشكل كامل، وھو بلا أدنى شك عمل مھم وحساس للمجتمع الأردني وھي الأولى للقیام بھ؛ لأنھا الأدرى بطبیعة المرأة والأكثر قرباً من ھمومھا ومشاكلھا والأقدر ّ على التعاطي معھا بالتوجیھات الصحیحة والإرشادات السلیمة، التي تحفظ المجتمع وتحصنھ من الآفات والمشكلات، وتحمیھ من الشرور والآثام.
كلنا أمل بأن تقوم مؤسساتنا الدینیة بفتح ھذا الملف ومناقشتھ مناقشةً موضوعیة ھادئة بعیداً عن
َّ التخوفات وردات الفعل والمواقف المسبقة، تعید للمرأة اعتبارھا ومكانتھا وتعمل على استثمار طاقاتھا وإبداعاتھا، وتوجیھھا لخدمة قضایا المجتمع وحل مشكلاتھ.