Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2019

انقلاب على الانقلاب* ماهر أبو طير

 الغد-كل مرة يختطف العسكر ثورات الشعوب بذريعة حمايتها والاستجابة لها، ولم نر بلدا عربيا واحدا فيه مؤسسات مدنية تدير المشهد بعد كل ثورة، بل تدخل المؤسسات العسكرية، باعتبارها الوحيدة القوية، والوحيدة التي بيدها الإمكانات، فوق انها الوحيدة في الفراغ، فلا برلمانات، ولا أحزاب، ولا دساتير ولا قوانين أيضا، بل دبابات وبيانات عسكرية.

دخول العسكر، مثلما رأينا مثلا في السودان، والجزائر، يثبت ان الأنظمة العربية، لا تبني الا مؤسسات عسكرية، لحماية الأنظمة، ولا تبني مؤسسات مدنية لحماية الشعب، وهذا يفسر ان الطرف الوحيد القوي هو المؤسسة العسكرية التي تدرك في لحظة ما، ان حماية النظام ذاته امر أساسي، وتغيير وجه النظام فقط هو السقف الأعلى المتاح والممكن لإسكات الجماهير.
لم يعد مناسبا كثرة التهليل للجيوش العربية بعد كل ثورة، فهي تتدخل على شكل انقلابات ناعمة، لإسقاط رأس النظام فقط، ولاستيعاب الغضب الشعبي، فيما الجيش هنا، يريد ان يحكم او يحمي النظام ذاته، ويضحي بالرأس فقط من اجل تجاوز المرحلة الصعبة.
أليست كارثة ان الانسان العربي، بعد مائة عام، من الكيانات الوطنية، والتعليم والبرامج والشعارات، لا يجد حلا سوى المؤسسة العسكرية، للخروج من الازمات، في مشهد يؤشر أساسا على ان النظام الحاكم لم يسمح أساسا، ببناء مؤسسات مدنية، ولا قواعد ثابتة وصلبة يتم الاحتكام اليها، وكل مرة نرى ذات المشهد يتكرر، ويتدخل الجيش، وهو تدخل محفوف بالخطر أيضا، لان تدخل الجيش في ظل وجود فرقاء، وصراعات، قد يؤدي به الى الانزلاق الى المواجهة، والدخول في معركة مع الناس، بسبب عوامل عديدة، بدلا من حمايتهم.
اللافت للانتباه هنا، انه منذ ثورة تونس التي فتحت بوابة هذه التغييرات، لم تحاول أنظمة عربية كثيرة، التعلم مما يجري، بل راهنت على ان الشعوب سوف تتعلم من الدروس الدموية، بعد سقوط الأنظمة، وبحيث تسكن وتهدأ وتخاف، امام ما نراه، كل مرة، من خلاصات تقول ان ما بعد كل ثورة، أسوأ مما هو قبل الثورة، وكأننا امام خيارين، اما حاكما ظالما، واما جهنم الحمراء المفتوحة، بلا حد ولا سقوف أيضا.
نزعة الشعوب للغضب، فيها وجه انتحاري، فهذه الشعوب تدرك ان اسقاطها لرأس النظام، او للنظام، سيجلب عليها مزيدا من الفوضى أحيانا، لكنها برغم ذلك، تغامر ولا تقف عند حد، في ظل انغلاق الأفق امامها، وكأنها تقول فلتخرب على رؤوسنا، ورؤوس من يحكمنا معا، وهذه النزعة الانتحارية في هذا الجانب، لا بد ان تحللها الأنظمة وتقف عندها مطولا، لان الركون الى ان الشعوب ستبقى مذعورة، ركون غير حميد، وسطحي أيضا في بعض جوانبه.
اثبتت البنية العربية، عموما، قدرتها الكبيرة جدا على الاختلاف، اذ ندر ما شهدنا توافقا عربيا، على ما بعد سقوط أي رئيس، وسط صراعات داخلية، وتثوير لكل المكونات على أسس دينية او قبلية او حزبية او مذهبية او طائفية، وفي ظل تحريك خارجي، عبر المال والسلاح والاعلام، ووجود اختراقات بنيوية، تجعل كل ثورة، مجرد مشروع للفوضى.
لقد آن الأوان ان تتنبه الدول العربية المستقرة، الى أوضاعها الداخلية، بحيث لا تسمح بتمدد هذه الحالة اليها، عبر اصلاح بنيتها، وإشاعة العدالة والمساواة، ووقف الفساد، والتركيز على التنمية الاقتصادية، وفتح الفرص المغلقة للناس، وتجويد الخدمات في كل القطاعات، وبدون ذلك، تصير القصة مجرد قصة وقت، ونحن نرى كيف ان الشمال الافريقي العربي، برمته واجه ويواجه أزمات من السودان الى مصر، وصولا الى ليبيا وتونس والجزائر، ثم اليمن والعراق وسورية، وبحيث باتت الدولة الامنة هي الاستثناء هذه الأيام.
لا يمكن لمن يمتلك القوة على الأرض، أي العسكر، ان يقبل بدولة مدنية بمعنى مؤسساتها، وهذا يعني ان ما شهدناه في السودان، كان مجرد انقلاب على الانقلاب، أي انقلاب جديد، على الانقلاب الذي قام به البشير، أساسا، وهو انقلاب مؤهل لمواجهة انقلاب آخر، وبهذا المعنى وبعيدا عن كل الاحتفاليات بما يحدث في السودان، فإننا نتوقع فترة سيئة للغاية في السودان، جراء كل العوامل السابقة، وبحيث يلد الظالم، ظالما آخر.