Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Jun-2021

«قطن أسود» رواية لمحمد مجدلاوي تعاين أثر المكان في الوجدان الإنساني

 الدستور-عمر أبو الهيجاء

 
يعد العمل الأول للمبدع الشرفة الأولى التي يطل من خلالها على عالم الإبداع، فالعمل الأول سواء أكان شعرا أو قصة أو رواية أو غير ذلك من الأجناس الإبداعية المختلفة، وهذه الشرفة التي تأخذه إلى الصفوف المتقدمة في الشهرة والإبداع.
 
ضمن هذا السياق صدرت الرواية الأولى للكاتب محمد مجدلاوي حملت عنوان «قطن أسود» عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع، تقع في زهاء 193 صفحة من القطع المتوسط.
 
هذه الرواية تنتمي للمدرسة الواقعية، وعنوانها يشكل العتبة الأولى للنص، هذه المفارقة الغريبة في العنوان قد تثير القارئ ويطرح سؤالا : لماذا «قطن أسود» ؟ ليجد نفسه بعد أن يكمل قراءتة الرواية يجد إجابةً وافية على التسمية.
 
«قطن أسود» رواية تطرح موضوع المكان وأثره في تشكيل الوجدان، تعطي للمكان حيوية الكائن الذي يسمع ويحس ويرى، يضحك ويبكي، يفرح ويضجر، تلك الصبغة المكانية تلقي بظلالها على نفسية الإنسان، ليتشكل في النهاية الحس الإنساني في مجريات الأحداث.
 
إحداث الرواية تدور في منطقة الغور الشمالي تحديداً، وهي المنطقة الجغرافية البكر، وتعالج الرواية في أحداثها الكثيرة وشخصياتها مواضيع متعددة وتطرح كثير من المشكلات التي يعانيها سكان تلك المنطقة الجغرافية، المشكلات التي تتعلق بالزراعة وتراكم الديون على المزارعين، وكذلك مشكلة ارتفاع درجة الحرارة صيفاً في غياب الكهرباء او الانقطاع المتكرّر للتيّار.
 
أما الشخصية المحورية للرواية التي تقودنا إلى الأحداث منذ البداية، فتتمثل في شخص عمران الذي ارتبط بمكان ولادته ارتباطاً وثيقاً وكأنه صار شجرة عميقة الجذور يصعب اقتلاعها، الذي كافح من أجل أن يرفعَ المعاناة التي يكابدها عياله في الصيف وكذلك ضنك الحياة، ترك قريته وهاجر إلى المدينة، ليجدَ نفسه في مواجهة القهر والضجر والشعور بالغربة بعيداً عن قريته، ليتخذ قرارا بعد معاناته أن يعود إلى حقول قريته ليكمل فصل الختام من عمره، وهناك يلتقي بشخصية أخرى مؤثرة هي شخصية عليان الذي باع بيته في عمان بعد أن أغرقه الدَّين ليسكن في الحقول وحيدا و معتزلاً حياة المدينة طلبا للتطهر والنقاء في الحقول التي تمتد ما بين الشونة والباقورة.
 
الحبكة في الرواية حبكة متقنة نوعا ما، ولغتها لغة لا تحتمل التعقيد أو البهرجة وهذا ما منحها الحيوية التي تقود ربما القارئ إلى مواصلة القراءة حتى النهاية، ولعلَّ الاقتباس الذي أدرجه الروائي على الغلاف الأخير مثال على تلك اللغة.
 
من أجواء الرواية نقرأ : «لم يكن الشتاءُ اعتيادياً في سماءِ الباقورة، الفضاءُ هنا مُختلِفٌ تماماً عن أيِّ فضاءٍ آخرٍ، شمال الشمال يتبدى للناظرِ كأنه نهايةُ أفقِ الكون. الغيمُ يتحدّبُ في الأفق، يلامسُ الجليلَ من جهةٍ والطور من الجهةِ المُقابِلة، وكُلُّ شيءٍ في هذا الطقس يفقدُ ظلَّه، ولا يتبقّى غير ظلِّ الغيمِ يفرضُ حضوره على كُلِّ الحُقولِ ويُحيلُ نهارها إلى عتمٍ كثيف». هذا العمل الروائي الأول لمجدلاوي يأخذك الى معنى الحنين والدهشة، يصور عبر سرده الكثير من المشاهد التي غدت من الماضي، ويوقظ فيك الحس الإنساني تجاه المكان والتمسك بالأشياء المتوارثة والتي أصبحت طي النسيان، من مثل: «عربة الكاز، الوقادية أو التنور، الأبواب الخشبية العالية، الكازوز المبرد بجريش الثلج، بابور موسى بك أو ما يقابلها مطحنة القمح» إلى غير ذلك من الأدوات التي أعاد لها الحياة في هذا العمل.