Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jul-2018

الإسلام في الليبرالية - حسن أبو هنية

الراي -  لا جدال أننا نعيش عصر سيادة الليبرالية المظفرة بانتصارعالمي، فقد شكلت الليبرالية على مدى القرنين الماضيين الكيفية التي يرى بها الغرب ذاته والعالم، ومنذ احتكاك الغرب الكولونيالي بالشرق نهاية القرن التاسع عشر تواترت النقاشات حول"الإسلام الليبرالي"، حيث سعى المسلمون لتوليف مقاربة حول الإسلام مع الليبرالية، ومع نهاية الحرب الباردة التي أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية تنامى الحديث عن الليبرالية كنهاية للتاريخ، وبرزالحديث عن الإسلام كنقيض وعدو لليبرالية، في ذات الوقت الذي تقارب فيه توفيقة الليبرالية مع الإسلام .

في كتابه الصادر اخيرا عن دار جداول، في بيروت يعنوان"الإسلام فى الليبرالية"، والذى نقله إلى اللغة العربية جوزيف مسعد وأبو العباس إبراهام يحاجج الدكتور جوزيف مسعد أستاذ السياسة والفكرالعربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك، على خلاف المقاربات التقليدية حول علاقة الإسلام بالليبرالية أن الإسلام يقع في قلب الليبراليّة، فقد كان هناك لحظةَ ولادَتِهما. وأن وجوده أحدَ شروطِ انبثاقِهما على الشاكلةِ الهويّاتيّة التي يدعيانها؛ فالإسلامُ متغلغلٌ، كما أوضح، في أعماقِ الليبراليّة، يعرِّفُ هويّتها وادعاءاتِها بالاختلاف، ورغم محاولات الليبراليّة الدؤوبة لإسقاط صفة الآخَرالدخيل عليه، إلا أن الإسلامَ يظلُ أحدَ مكوناتها الأساسيّة، وبأن وصفَهم كخارجيّين وغرباء ليس سوى حيلةِ لإخفاء وتمويه العمليّة الإسقاطيّة التي طردتهم خارجَ حدودِ الليبراليّة كي تُعرّف داخلها على أنه نقيضُهم، وعلى أنه يتفوق عليهم، وهو ما تنبه له إدوارد سعيد جيدا، حين أعلن أن الشرق"جزءٌ لا يتجزأ من الثقافة والحضارة الأوروبيّة الماديّة"
لا تمثّل المعركةُ الناشبةُ اليوم بين مختلفِ القوى التي تتحدث باسم الإسلام أو باسم العِداء له حسب مسعد جزءا من العمليّة الإنتاجيّة التي تُكسِب الإسلام معاني ودلالات جديدةٍ فحسب، بل تمثّل أيضا جزءاً من عملية ثانية ذات صلة بالأولى، ترنو للتحكم بإزاحة المصطلحٍ باتجاه معان ودلالات معينة، والنأي به عن معان ودلالات أخرى. وهكذا يوضع الإسلامُ في حالة تعارضٍ مع نقائض معيّنة، وبهذا فإن أساس البحث في العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، تقع في صلب فهم الجينيالوجيا الفكرية العميقة للمزاعم الليبرالية التي تصر على أن الإسلام في صلبه الثقافي ليس ديمقراطيا أو أنه معادٍ للديمقراطية، وأن الإنجاز الثقافي الأهم للمسيحية (في شكلها البروتستانتي) والغرب هو التزامهما بالحكم الديمقراطي، وقد تناول مسعد في كتابه"الإسلام في الليبرالية"السياق الليبرالي الذي ظهرت فيه هذه المزاعم وفي التأثير الثقافوي الذي ألقته على السياسة وفي الجهود المتواصلة للولايات المتحدة، ومن قبلها بريطانيا (وفرنسا)، لتقديم ثيولوجيا إسلامية إن لم يكن إسلاماً جديداً بالكامل متماشياً مع النظام الاستعماري والإمبريالي الذي أرادوا فرضه على الدول ذات الأغلبية المسلمة تحت شعار"نشر الديمقراطية والحرية". فعلى النقيض من المسيحية (البروتستانتية) والرأسمالية أو الحداثة، التي يقدِّمُها المفكرون الليبراليون على أنها مُيسِّرة للديمقراطية، فقد قيل إن الإسلام إما مُحصّنٌ كليّاً أو أنه"بلا دفاعات"ضدّ هذه المنظومة السياسية "الغربية".
يتبع جوزيف مسعد خطى إدوارد سعيد بتبيان فحوى ما يسمى بـ"الاستشراق"الذي يتعلق بتمثيل الثقافات والمجتمعات "الأخرى"وتاريخها، وكيف يعكس هذا التمثيل ممارسة السلطة، بهذا المعنى حسب خلاصة سالم يفوت لسعيد فإن الاستشراق يشير إلى الأداة الخطابية التي تنتج المعرفة كأداة للسلطة، كوسيلة لإنشاء أو للإبقاء على السلطة، ففي استشراق القرن التاسع عشر الكلاسيكي، كان قد جرى تمثيل الشرق متجانسًا وساكنًا بالأساس، ومجتمعا تقليديا وثقافيا بشكل جوهري، حينها كان الشرق كيانًا "عجيبًا"، عالم"مختلف"أساسًا عن الغرب، غريب ومؤنث، غير عقلاني وعاطفي، استبدادي وبالأساس أدنى من الغرب، كما كان الإسلام الثابت وغيرالمتغير المحدد الأساسي لثقافة ومجتمع الشرق، ولترسخه في نفسية الناس، شكّل هذا الإسلام قيم المسلمين وسلوكياتهم اليومية، ضامنًا بذلك تجانسًا ثقافيًا جوهريًا واستمرارية تاريخية مثيرة في كل أرجاء العالم الإسلامي.
الاستشراق، حسب خلاصة آصف بيات لسعيد، يمثل شكلًا معروفًا من نمط إنتاج المعرفة، حيث إنه يختار أن يبني صورة شمولية للآخر كموضوع تحيزي ويهمل التمايزات الداخلية، والتداخل أو التبادل بين الشرق والغرب. الإستشراق في خلاصة يبدع، على صعيد التصور، شرقا، متخيلا لاصلة له بالشرق"الحقيقي"؛ يحول الشرق إلى مرآة يقرأ فيها ذاته، من حيث هو خطاب أو إنشاء يصور تمثلات أو ألوانا من التمثيل حيث تتخفى القوة والمؤسسة والمصلحة، فهو خلق جديد للآخر، الغير، أو إعادة إنتاج له على صعيد التصور والتمثيل تستند لرؤية قوامها التمركز على الذات الغربية وإلى منظومة قيم تكرس هيمنة ذات الغرب.
في هذا السياق يسعى مسعد في كتاب"الإسلام في الليبرالية"إلى فهم كيف أصبح الإسلام، في ظلّ هذه التشابكات العميقة، مركزيا بالنسبة لليبراليّة كهُويّة وكأيديولوجيا، بل كيف أصبحت الليبراليّة، التي تَعُدّ نفسها نقيضا للإسلام، المكوِّن الأهم للخطاب الذي تم استنباط أوروبا كهويّة حديثة عبره. حيث يقوم بتحليل كيف أنه من خلال عمليّة التماهي هذه، اشتُرط بروز أوروبا بعدة إسقاطات، وإنكارات، وإزاحات، وعمليات طرد، بهدف إنتاج ذات متماسكة ومطهّرة من الآخرين الذين كانت هذه الذات قد اسْتَعْدَتهم في عمليّة تكوين ذاتها أصلا. وقد أصبح مقبولا الآن بشكل عام في الدراسات الأكاديميّة أن الشرق والشرقيين، والساميّةَ والساميّين، ولاسيما الإسلامَ والمسلمين يُكَوِّنون الآخرَ الرئيس الذي كان داخل أوروبا قبل أن تضطر الأخيرة لطردهم خارج تكوينها الجديد. لكن، مع ذلك، يستمر بعض الأكاديميّين بمقاومة الصلات التي تربط ما بين الليبراليّة ومشتقاتها وآخري أوروبا الداخليّين والخارجيّين.
يسعى مسعد كما يؤكد في المقدمة إلى محاولة فهم التواريخ السياسيّة والفكريّة التي ظهر فيها الإسلام كتصنيف من صنع الليبراليّة الغربيّة. بل وكيف أسقطت مخاوف الأوروبيين مما يُكَوِّن أوروبا هذه وتُكوِّنه في فترات مختلفة من تاريخها ـــ أي الاستبداد، وعدم التسامح، و كراهية النساء، ورهاب المثليّة ـــ على الإسلام، وكيف أنه لولا هذه العمليّة الإسقاطيّة، لما كان بإمكان أوروبا أن تظهر على أنها ديمقراطيّة، ومتسامحة، ومُحِبة للنساء والمثليّين، أي باختصار على أنها "خاليةٌ من الإسلام"، وينبه مسعد إلى أنه لا يسعى في مشروعه لاستكشاف كل ما يتعلق بتكوين الليبراليّة، بل تحديداً الدور الذي يلعبه الإسلام في تكوينها كأيديولوجيا والسياسات التي اتبعتها وتتبعها الأنظمة السياسيّة الليبراليّة في أوروبا والولايات المتّحدة تجاه هذا الإسلام. ولا أنوي أن أدرس كيف يُكوِّن"الإسلام" نفسه، بغض النظر عما يَكونُه هذا "الإسلام"، بل ما أدرسه هو كيف تقوم الليبراليّة بتكوين الإسلام في تكوينها لنفسها.
يقوم مسعد بفحص الحماس الليبرالي بادعاء انقاذ الآخرين، وذلك عندما تُنْتَجُ أوروبا على أنها "الفضاءُ الفردوسيّ"، حيث يتوجبُ حينَها على الأوروبيّين المسيحيّين والليبراليّين ألا يبشّروا بـ"ثقافتهم"وأسلوب حياتهم فحسب، بل أن ينخرطوا أيضاً في عملية إنقاذِ وتخليصٍ غير الأوروبيين من ثقافاتهم وأساليب حيواتهم اللاأوروبيّة والمناهضة للأوروبيّة. ما يقوم به كتاب الإسلام في الليبراليّة هو توثيق هذا الحماس الليبراليّ والمسيحيّ بالتبشير بالديمقراطيّة، وحقوق النساء، والحقوق الجنسيّة، والتسامح، والمساواة، وحتى أيضاً العلاجات النفسيّة، لا سيما التحليل النفسيّ، لشفاء المسلمين والإسلام من طرقهم اللاأوروبيّة واللامسيحيّة واللاليبراليّة.
سناقش الفصل الأول من الكتاب عمليّة إنتاج أوروبا على أنها ديمقراطيّة وإنتاج الإسلام على أنه استبداديّ، بينما سيركز الفصل الثاني على عمليّة إنتاج النساء الأوروبيّات على أنهن "أوفر نساء العالم حظاً، والنساء المسلمات على أنهن "أكثر نساء العالم اضطهاداً." ويناقش الفصل الثالث كيف يقوم أكاديميّون ونشطاء يعملون في الولايات المتّحدة وأوروبا وبعض زملائهم في البلدان ذات الأغلبيّة المسلمة بربط الإسلام والليبراليّة والجنسانيّة بطريقة معينة تنتج الغرب على أنه فردوس من المساواة والتسامح مع المثليّين وتنتِج "العالم المسلم" كجهنم حقيقيّة يجب إنقاذ المثليين المسلمين منها من خلال تحويل البلدان ذات الأغلبيّة المسلمة ومواطنيها إلى نُسَخٍ من غرب فانتازيّ. ويركّز الفصل الرابع على المقاربات التحليلنفسيّة للإسلام و/ في الليبراليّة، وكيف يستدعي المفكّرون التحليلنفسيّون الذين يعملون في أوروبا (وكثير منهم مهاجرون مسلمون إلى أوروبا) سلطة الليبراليّة بدل من التحليلات التحليلنفسيّة أثناء تشخيصهم لأمراض الإسلام المزعومة. ويقوم الفصل الخامس والأخير بموضعة الإسلام داخل الدراسات الساميّة والفكرة الليبراليّة (التصالحيّة) التي تساوي ما بين الإسلام واليهوديّة والمسيحيّة كديانات "إبراهيميّة"، ومساواة الإسلام بالأصوليّة اليهوديّة والمسيحيّة على أنه شكل آخر من المسيحائيّة مساواة سنكشف أنها جزء من حيلة ليبراليّة لشمل الإسلام وضمّه والتي تقوم بذلك متجاهلة، شأنها شأن الاستراتيجيّات الليبراليّة الأخرى، مسألة السلطة الإمبرياليّة.
خلاصة القول أن كتاب "الإسلام في الليبرالية" ثري وغني ومؤثر، حسب طلال أسد، وهو
دراسة جريئة وثاقبة للاستخدام وسوء الاستخدام التاريخى والمعاصر لحجج الديمقراطية وحقوق النساء والجنسانيات وكيفية طرحها بالنسبة إلى الإسلام كما أشارت ليلى أحمد، فيما قال بول غلروي أن جوزيف مسعد أعاد رسم السياق السياسى والعلمى الذى سيقوم من خلاله، من الآن فصاعدًا، فهم العلاقات ما بين الليبرالية والإسلام، ويشير آن نورتن إلى أن صوت مسعد فى هذا الكتاب، صوت فكرى مهم ويستحوذ على اهتمام عالمي، فهو يقدم لنا نقدًا مميزًا ومقنعاً، وفى معظم الأحيان عبقريًا، لمواقف سياسية يعتبرها كثيرون مقدسة.
hasanabuhanya@hotmail.com