Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Mar-2017

ثقافة السؤال.. ثقافة الجواب - ابراهيم العجلوني
ليس التأريخ للفلسفة فعلاً فلسفياً, كما ان التأريخ للأدب ليس أدباً, والتأريخ للدين ليس ديناً..
 
الراي - وبهذا القدر من تبين الفارق بين امرين قد يكون أحدهما شرطاً للآخر ويكون الثاني نتيجة محتملة له, فإن علينا أن نتبين كذلك الفارق بين أن تكون الفلسفة طرحاً مستمراً للاسئلة وبين أن تكون اجابة مستمرة عليها. إذ لو اكتفينا بطرح الاسئلة وكان ذلك هو قصارانا من الفعل الفلسفي فإن معنى «الحكمة» لن يتحقق بحال, وستظل الفلسفة اسئلة تتصادى طوال الدهور ولن تستقر بالانسانية على حقائقها ولا على حقائق الحياة, ولا على حقائق الكون التي لا يحيط بها الا الله سبحانه وتعالى علماً.
 
صحيح أن المحاورات الفلسفية الاولى عند الاخرين كانت حافلة بالاسئلة من حيث هي مفاتيح لاجابات شافية في موضوعاتها, لكنها كانت حافلة بألوان من اليقينيات التي يرتاح عندها العقل ويستقر الوجدان.. وقلّما نجد سؤالاً في محاورات سقراط – مثلاً – الا وله اجابة صريحة – أو ضمنية -. واذا كانت بعض الاجابات تولّد بدورها اسئلة, فإن ذلك منته آخر المطاف الى نتيجة معقولة, ولكل امر مستقر.
 
***
 
يرى بعضهم ان تطور العلم هو تطور اسئلته, وذلك مقبولاً عقلاً ان كان المراد أن هذه الاسئلة مفاتيح لاجابات شافية على نحو ما ذكرنا آنفاً عن السؤال الفلسفي. لكن حقيقة الامر أن تطور العلم هو تطور الاجابات العلمية المحكمة التي تستقر بالعلماء على قوانين ثابتة يمكن الركون اليها والثقة بفاعليتها في الدقيق من التقنيات وفي رحلات الفضاء المحسوبة بدايات وخواتيم على حد سواء..
 
ولم بقيت اسئلة العلم حائرة دون اجوبتها اليقينية ودون ما وثق به العلماء من هذه الاجوبة, لما أمكن للتقدم العلمي ان يبلغ ما بلغ..
 
***
 
نملك القول, في ضوء ما تقدم: إن الثقافة العلمية هي «ثقافة جواب» بكل معنى الكلمة (في مضمارها) أو من ألوان الدراية بقوانين المادة ما يجعلها قادرة على الاجابة الدقيقة على كل سؤال علمي, بل على كل احتمال فيما يتعلق بامكان السيطرة على الاشياء وتسخيرها في الخير وفي الشر على حد سواء.
 
لكن من أعجب العجب أن يظن بهذه الثقافة قدرتها على الاجابة عن أي من حقائق الانسان نفسه, اذ المادة شيء والانسان كينونة اخرى. وما ينطبق على المادة لا ينطبق على الانسان, بل ان «الانسان» هو ذاته بقدر ما يتأبى على ضرورات المادة أو يثور بها.
 
إن للانسان قانونه الاعلى, ولن يحيط بأسئلته المصيرية الا من يحيط بكينونته خبراً, ومن هو اقرب اليه من حبل الوريد.
 
***
 
واذا كان بعضهم يردد ما يلقنه بأن الثقافة العربية هي «ثقافة جواب» اكثر مما هي ثقافة سؤال. فإن عليه أن يرى الى الفارق بين «قانون الانسان» و»قانون المادة», وأن ينظر بعد ذلك في مجمل التصورات والعقائد التي تدور في افلاكها اجوبة الثقافة العربية, ليعلم أن ذلك كله منوط ببنية الانسان النفسية والروحية وان الاجابات النهائية لتساؤلات هذه البنية يقينيات إلهية يحمل العربي رسالتها في العالمين, رحمة من لدن خبير عليم, يخرج بها الناس جميعاً من حيرتهم وتلدّدهم, ويمضون بارادة قوية الى بناء عالم اكثر جمالاً وعدالة وحبوراً.
 
***
 
انها قوانين يسع بعضها بعضاً, ويفضل بعضها بعضاً, ويتصل أولها بآخرها, طبقاً عن طبق, ذلك خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه.