Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Jan-2020

خيارات صعبة أمام قائد حماس يحيى السنوار

 الغد-مايكل ميلستين* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 24/1/2020

جذبت حركة حماس الفلسطينية اهتماماً متجدداً لفترة وجيزة مؤخراً حين تلقى إسماعيل هنية، أحد القادة من غزة، استقبالاً تكريمياً من الزعيم الإيراني خلال جنازة قاسم سليماني في طهران. ولكن، خلال السنوات القليلة الماضية، كان يحيى السنوار -رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة- هو الذي رسّخ مكانته كإحدى أكثر الشخصيات تأثيرا ونفوذا في الحركة. وقد حصل هذا التغيّر في القوة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، أقل من عقد، حين تحرر السنوار من السجون الإسرائيلية حيث أمضى ربع قرن.
ملف السنوار الشخصي جذاب، لكن تاريخه السياسي هو الذي يوفر نظرة على أبرز التطورات الحديثة التي طرأت، سواء داخل حماس أو في حياة الفلسطينيين العامة ككل. ويسلط هذا المقال الضوء على هذا الجانب من ملفه وتحليل كيفيات تبلوره في المستقبل القريب، سواء داخل الساحة الفلسطينية أو في العلاقات مع إسرائيل.
يكتسي فهم تطور القيادة في حماس أهمية خاصة الآن؛ حيث تجد الحركة نفسها عند مفترق طرق استراتيجي. وتواجه الحركة موقفاً صعباًعلى الصعيدين الداخلي والخارجي: هناك حركة احتجاجية شعبية عميقة في غزة؛ وابتعاد عن قسم كبير من الجهات الفاعلة العربية الخارجية. وتنظر قيادة حماس الآن في المسارات المحتملة للخروج من هذا المأزق، بما في ذلك احتمال إبرام اتفاق طويل الأمد على “تهدئة” مع إسرائيل، والذي يمكنها من تحسين الوضع داخل القطاع.
يشكل السنوار الشخصية الرئيسية في هذا السياق؛ إذ من المعروف أن لديه الكلمة الفصل في سياسة غزة. ومن المثير للاهتمام أن السنوار يجمع أيضاً القطبيْن المتناحريْن في حماس: فقد خرج من الجناح المسلّح للحركة، “كتائب عز الدين القسام”، وأثبت ولاءً عميقًا للجهاد؛ لكنه يدرك في الوقت نفسه أهمية الحفاظ على استقرار المجتمع المدني بغية التمكّن من فرض سيطرة حماس لفترة طويلة.
اليوم، يواجه السنوار الحاجة إلى شق مسار جديد بين هذين القطبين. لكن الوسائل المختلفة التي لجأ إليها حتى الآن من أجل انتشال غزة من أزماتها الداخلية العميقة باءت فعليا بالفشل. أولا، تقف الجهود المتقطعة للتصالح مع “السلطة الفلسطينية” بقيادة “فتح” في رام الله على شفير الانهيار. ثانيا، أن المسعى لإحياء الروابط مع “محور المقاومة” الإقليمي الأشمل بقيادة إيران يتهاوى؛ فإيران تحرص على توفير دعمها المحدود لجناح حماس المسلّح فقط وليس للحركة ككل. ثالثا، أن استراتيجية “مسيرة العودة” القائمة على الاحتجاجات الأسبوعية غير الناجحة على الحدود بين غزة وإسرائيل، على الرغم من الكلفة الإنسانية المرتفعة التي حصدت أرواح أكثر من 350 غزياً، لم تحقق الكثير لما يقرب من مليوني فلسطيني يعيشون في تلك المنطقة الضيّقة. وقد تقلص نطاق هذه الاحتجاجات بشكل ملحوظ مسبقاً خلال الأسابيع القليلة الماضية.
يُضاف إلى معضلة السنوار تدهور مكانة حماس الاستراتيجية الأشمل في المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى ارتباط اسم حماس الوثيق بالسياسة الإسلامية، ليس فقط سياسة إيران، بل أيضًا جماعة “الإخوان المسلمين” المدعومة من تركيا. وقد أدّى ذلك إلى ردّ قوي من خصومهم في السعودية، حتى أنه تسبب بحملة اعتقالات لعشرات النشاطين من حماس في المملكة. وثمة انحراف جديد آخر يتمثل في التلميحات الجديدة بأن قطر قد تخفض مساعدتها الاقتصادية الكبيرة والمهمة للغاية لقطاع غزة، بعد أن لعبت دورا مهما خلال كامل العقد الماضي في الحيلولة دون حصول أزمة إنسانية فعلية في القطاع.
على ضوء هذه الخيارات الاستراتيجية المحدودة، فإن السنوار مرغم أكثر من أي وقت مضى على النظر جديا في احتمال إبرام نوع من “الترتيب” طويل الأمد مع إسرائيل. فمن جهة، سيهدّد ذلك بكبح خطوات حماس العسكرية؛ ومن جهة أخرى، سيعد بتحسين وضع المدنيين في غزة. غير أنه في هذه المرحلة، يبدو أن السنوار يتجنب اتخاذ أي قرار استراتيجي فعلي ويواصل مقاومته، الأمر الذي يسمح بجرّ التوترات إلى مواجهة مسلّحة واسعة النطاق مع إسرائيل، على الرغم من أنه ما يزال مهتمًا بتبني “هامش مقاومة” إلى حدّ ما، بدعم من الوحدات العسكرية في غزة التي تبقي على بعض “الاضطراب” القتالي الأساسي في تلك المنطقة. وينعكس هذا البعد الأخير من سياسته بشكل رئيسي في إطلاق الصواريخ بشكل متكرر على إسرائيل.
غير أن الردّ على هذه الضغوط يتأرجح في سياسة حماس بين التصعيد والتهدئة. فنحن نرى جولات تصعيد، بقيادة فصيل “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” في المقام الأول، إلى جانب إجراء مناقشات حول إبرام صفقة ما مع إسرائيل، مع صدور تقارير تفيد بأن هذه المناقشات تجري بجدية أكثر من أي وقت مضى. لكن استمرار هذا الواقع المتباين يمكن أن يؤدي مع مرور الوقت إلى صدام واسع النطاق غير مقصود وغير مرغوب فيه بين حماس وإسرائيل.
بشكل عام، يغلب أن ميل السنوار إلى إبرام صفقة مع إسرائيل يتنامى، على الرغم من أنه ما يزال يتعين عليه التوصل بشكل حاسم إلى استنتاج أن هذا المسار هو الأفضل في المستقبل. ومع ذلك، وحتى إذا تبلور مثل هذا القرار على أرض الواقع، على المرء أن لا ينسى الخطوط الحمراء التي قد تحتفظ بها حماس خلال المساعي للتفاوض بشأن اتفاق من هذا النوع. وقد يتصدر لائحة هذه الخطوط الرفض المتواصل لأي اعتراف رسمي بإسرائيل، ولأي تنازلات كبيرة من جهة حماس بشأن قوتها العسكرية. فمثل هذه التنازلات قد تشكّل ببساطة تهديدا وجوديا للحركة. ويعتبر الكثيرون في الحركة أنه متى ما حصلت مثل هذه التنازلات، فإن حماس التي يعرفونها لن تعود موجودة.
في موازاة ذلك، لا شكّ في أن السنوار نفسه قد وضع نصب عينيه الوصول إلى مراكز أعلى في السلطة السياسية في المستقبل. وسيتمثل التقدّم الأكثر قابلية للتحقيق باستلام قيادة المكتب السياسي لـحماس برمته (وليس فقط في غزة)؛ علما بأنه يخضع حاليا لسيطرة إسماعيل هنية، على الرغم من أن المكتب يلعب في الوقت الراهن دوراً رمزياً بشكل عام. وفي المستقبل، سيكون من المنطقي أن يتطلّع السنوار إلى تقوية مكانته في الساحة الوطنية الفلسطينية الأشمل.
سيكون من شأن وفاة محمود عباس، رئيس “السلطة الفلسطينية” في نهاية المطاف، البالغ من العمر 84 عاماً حالياً، أن تقدّم هذه الفرصة بالتحديد للسنوار. وستكون هذه الفرصة مرجحة على نحو خاص إذا ما أرادت “السلطة الفلسطينية” اتخاذ خطوات صلح عملية مع “حماس”، ما يمنحه موطئ قدم في الضفة الغربية وداخل هيكليات “منظمة التحرير الفلسطينية”. بل إن هذه الفرصة قد تتبلور أكثر في حال تم في يوم ما إجراء انتخابات ديمقراطية فعلية على صعيد البرلمان والرئاسة في فلسطين.
وهكذا، يمكن أن ينتهي المطاف بيحيى السنوار -الذي نشأ في شوارع مخيم للاجئين في غزة وأمضى سنوات شبابه بين جدران سجن إسرائيلي ووصل بعد ذلك إلى قيادة الحركة الإسلامية الفلسطينية- بالتربع على قمة النظام السياسي الشامل لبلاده. ولا شكّ في أن السنوار هو شخصية سياسية لا بدّ من مراقبتها، وربما يمكنه بسط نفوذ كبير على كامل طبيعة هذا النظام وتوجهاته في السنوات المقبلة.
 
*رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والأفريقية.