Monday 20th of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-May-2024

المعاناة الصامتة للنساء الفلسطينيات‏

 الغد-مريم لعريبي‏‏ - (أوريان 21) 2024/23/15

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
 
‏في 4 آذار (مارس)، أصدرت ‏‏الأمم المتحدة‏‏ تقريرا عن عمليات اغتصاب واعتداء جنسي تعرضت لها النساء الإسرائيليات في 7 تشرين الأول (أكتوبر). وفي حين لقي ذلك النص صدى واسعا في وسائل الإعلام، فإن تقريرا آخر أصدرته ‏‏الأمم المتحدة‏‏ لم يكن محظوظا بنفس المقدار. وقد تناول هذا التقرير المعاملة التي تتلقاها النساء الفلسطينيات، خاصة عمليات الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي تعرضن لها منذ بداية الحرب على غزة. ‏
 
 
*   *   *     
‏ثمانية من خبراء الأمم المتحدة‏‏،‏(1)‏ كلهم من النساء، قرعوا ناقوس الخطر في 19 شباط (فبراير). وأعربت الخبيرات عن "قلقهن العميق" إزاء المعلومات التي تم الحصول عليها من "مصادر مختلفة". ونددن بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي، والضرب بدم بارد، والإذلال التي ترتكب ضد النساء الفلسطينيات في كل من غزة والضفة الغربية. وأبلغت الخبيرات عن "مزاعم ذات مصداقية بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان" كانت النساء والفتيات الفلسطينيات "وما يزلن هن الضحاياها".(‏2)‏ ووفقا للشهادات والمعلومات والصور التي تمكن من التحقق منها، "أفادت التقارير أن النساء والفتيات قد أعدمن تعسفا في غزة.
"غالبا ما يتم إعدام النساء مع أفراد الأسرة، بما في ذلك أطفالهن". و"نشعر بالصدمة إزاء التقارير التي تفيد بالاستهداف المتعمد والقتل خارج نطاق القضاء للنساء والأطفال الفلسطينيين في الأماكن التي لجأوا إليها أو أثناء فرارهم"‏(3)‏ في بعض الأحيان عندما كانوا يحملون قطعا من القماش الأبيض على مرأى ومسمع من الجنود كعلامة على السلام. ويظهر شريط فيديو بثته ‏‏قناة "ميدل إيست آي‏‏" وشوهد على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، في جملة من الأمور، جدة فلسطينية قتلتها القوات الإسرائيلية بالرصاص في وسط مدينة غزة في 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما كانت تحاول هي وآخرون الفرار من المنطقة. وفي لحظة إعدامها، كانت هذه المرأة، واسمها هالة خريس، تمسك بيد حفيدها الذي كان يحمل راية بيضاء.‏
ووفقا لخبيرات ‏‏الأمم المتحدة‏‏ أنفسهن، قامت قوات جيش الاحتلال باحتجاز مئات النساء الفلسطينيات بشكل تعسفي منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر). ومن بين هؤلاء النساء ناشطات مدافعات عن حقوق الإنسان وصحفيات وعاملات في المجال الإنساني. وبشكل عام، تحتجز إسرائيل حاليا "204 امرأة وفتاة في غزة، و147 امرأة وطفلا في الضفة الغربية"، وفقا لريم السالم، مقررة ‏‏الأمم المتحدة‏‏ الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات. وتتحدث السالم عن نساء "اختُطِفن حرفيا" من منازلهن وأصبحن في ظروف احتجاز "فظيعة". وقد تعرَّضت العديد منهن "لمعاملة لا إنسانية ومهينة، وحُرمن من الفوط النسائية والطعام والأدوية"، كما يوضح البيان الصحفي ‏‏للأمم المتحدة‏‏. وتتحدث شهادات أخرى عن معتقلات في غزة محتجزات في أقفاص تحت المطر والبرد ومن دون طعام.‏
‏‏أعمال الاغتصاب والاعتداء الجنسي‏
‏بعد ذلك يأتي العنف الجنسي. "إننا نشعر بالأسى بشكل خاص إزاء التقارير التي تفيد بأن النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات قد تعرضن أيضا لأشكال متعددة من الاعتداء الجنسي، مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور. وقد تعرضت اثنتان على الأقل من المعتقلات الفلسطينيات للاغتصاب، وهددت أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي". ويضيف البيان الصحفي أن هؤلاء النساء الفلسطينيات "تعرضن للضرب المبرح والإذلال والحرمان من المساعدة الطبية وتمت تعريتهن وتصويرهن في أوضاع مهينة. ثم تم تبادل الصور بين الجنود"، وفقا لريم السالم. و"هناك تقارير مقلقة عن رضيعة واحدة على الأقل نقلها الجيش الإسرائيلي قسرا إلى إسرائيل، وعن فصل الأطفال عن والديهم، الذين ما يزال مكان وجودهم مجهولا".‏
‏كل هذه الأعمال المفترضة ارتكبها "الجيش الإسرائيلي أو القوات التابعة له"، (قوات الشرطة وموظفو السجون وما إلى ذلك). ويدعو فريق الخبراء إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه وفوري وشامل وفعال في هذه الادعاءات، ويدعو إسرائيل إلى التعاون مع مثل هذه التحقيقات. ويحذر الفريق من أن "هذه الأعمال المزعومة مجتمعة قد تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وترقى إلى جرائم خطيرة بموجب القانون الجنائي الدولي يمكن المقاضاة عليها بموجب نظام روما الأساسي". ويضيف البيان أنه "يجب أن يتم إجراء تحقيق فوري في هذه الجرائم، ويجب محاسبة الجناة، وأن يكون للضحايا وعائلاتهم الحق في التعويضات والعدالة الكاملة للجميع". ‏وفي مقابلة مع "يو. إن. نيوز" UNNews،‏(4)‏ تستنكر ريم السالم الازدراء الذي استقبلت به السلطات الإسرائيلية هذه الاكتشافات، وقالت:‏
‏"لم نتلق أي رد، وهو للأسف سلوك معتاد من الحكومة الإسرائيلية التي لن تتعامل بشكل بناء مع الإجراءات الخاصة أو الخبراء المستقلين".‏
‏ومضت إلى القول: "الاعتقال التعسفي للنساء والفتيات الفلسطينيات ليس بالأمر الجديد في غزة أو الضفة الغربية".‏
في المقابل، رفضت البعثة الإسرائيلية في ‏‏الأمم‏‏ المتحدة هذه الادعاءات بشدة، مدعية أن السلطات الإسرائيلية لم تتلق أي شكاوى. وعمدت البعثة إلى تشويه  سمعة ما سمتهن مجموعة خبراء ‏‏الأمم المتحدة‏‏ المزعومين على منصة "إكس". وكتبت: "من الواضح أن الموقعين ليسوا مدفوعين بالحقيقة، بل بكراهيتهم لإسرائيل وشعبها".‏
ومع ذلك، فإن تقريرا من 41 صفحة أعدته ‏‏المنظمة غير الحكومية‏‏ الإسرائيلية "أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل" (‏‏PHRI‏‏)، بعنوان "الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، ظروف سجن الفلسطينيين في إسرائيل منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)" يؤكد الاتهامات التي صدرت عن ‏‏الأمم المتحدة‏‏. ويحتوي التقرير على العديد من إفادات شهود العيان التي تصف "المعاملة المهينة والانتهاكات الخطيرة"، بما في ذلك حالات غير معزولة من التحرش الجنسي والاعتداء والعنف والتعذيب والإذلال. ووفقا لـ"أطباء من أجل حقوق الإنسان"، ارتفع عدد الفلسطينيين الذين اعتقلهم نظام السجون الإسرائيلي من 5.500 قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) إلى 9.000 في كانون الثاني (يناير) 2024، بما في ذلك اعتقال عشرات القاصرين والنساء. وما يقرب من ثلث هؤلاء المعتقلين محتجزون إداريا من دون لائحة اتهام أو محاكمة: إنهم، باختصار، رهائن. ويؤكد تقرير ‏‏المنظمة غير الحكومية‏‏ حقيقة أن الجيش الإسرائيلي قد اعتقل المئات من سكان غزة من دون تقديم أي معلومات، حتى بعد أربعة أشهر، عن سلامتهم ومكان وظروف احتجازهم.‏
تقبيل العلم الإسرائيلي‏
‏يضم التقرير الذي أصدرته هذه ‏‏المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية‏‏ شهادات من فلسطينيين يروون كيف أجبرهم حراس مصلحة السجون الإسرائيلية على تقبيل العلم‏‏ الإسرائيلي، وكيف تعرض أولئك الذين رفضوا ذلك للضرب المبرح. وكان هذا هو مصير نبيلة، التي تم بث قصتها على قناة "الجزيرة". وقد أمضت نبيلة 47 يوما في الاحتجاز التعسفي ووصفت تجربتها بأنها "مروعة". وكانت قد اختطفت في 24 كانون الأول (ديسمبر) من مدرسة ‏‏تابعة لـ(الأونروا)‏‏ في مدينة غزة حيث وجدت ملاذا. وتم اقتياد النساء إلى مسجد حيث تم تفتيشهن جسديا مرارا وتكرارا واستجوابهن أمام فوهات البنادق بعنف شديد، حتى اعتقدت أنهم سيقومون بإعدامهن، كما قالت. وبعد ذلك، تم احتجازهن في البرد في ظروف ترقى إلى التعذيب.‏
‏"كنا نتجمد، وكانت أيدينا وأرجلنا مقيدة، وكان علينا أن نبقى جاثيات على ركبنا (...) وكان الجنود الإسرائيليون يصرخون علينا ويضربوننا كلما نظرنا إلى الأعلى أو تفوهنا بكلمة".‏
‏ثم نُقلت نبيلة إلى شمال إسرائيل، إلى سجن الدامون، مع حوالي مائة امرأة فلسطينية أخرى، بعضهن من الضفة الغربية. وكانت قد تعرضت للضرب عدة مرات حتى أنها عندما وصلت إلى السجن، كان وجهها مغطى بالكدمات. وعندما أصبحن داخل مركز الاحتجاز، لم تتحسن الأمور بالنسبة للرهائن. وخلال الفحص الطبي، أمرت نبيلة بتقبيل العلم الإسرائيلي. "عندما رفضت، أمسك جندي بشعري وضرب رأسي بالحائط"، كما تقول.‏
يروي ‏‏مكتب التحقيقات الوطني‏‏ الإسرائيلي كيف قدم المحامون شكاوى عن ممارسة العنف ضد المعتقلين الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية. وكان بوسع القضاة رؤية علامات التعذيب وسوء المعاملة على أجساد المعتقلين والمعتقلات، ولكن "بعيدا عن ملاحظة هذه المشاغل وإبلاغ ‏‏مصلحة السجون بشأنها‏‏، فشل القضاة في الأمر باتخاذ أي تدابير لمنع العنف وحماية حقوق المعتقلين"، كما قدر ‏‏مكتب التحقيقات‏‏ الوطني الإسرائيلي. ومع ذلك، "تم لفت انتباه المحكمة العليا إلى أدلة مؤثرة تؤكد استخدام العنف وسوء المعاملة المكافئين للتعذيب" من قبل منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"‏‏ وغيرها من المنظمات [...] ومع ذلك، لم يثر ذلك أي رد فعل جوهري من المحكمة، كما تقول المنظمة معربة عن أسفها. وتتحدث إحدى روايات شهود العيان التي أوردتها ‏‏المنظمة‏‏ عن حادثة اعتداء جنسي ارتكبت في 15 تشرين الأول (أكتوبر) عندما دخلت القوات الخاصة زنازين سجن كيزيعوت (جنوب غرب بئر السبع)، ودمرت كل شيء، ووجهت إلى المعتقلين إهانات جنسية صريحة مثل "أنتم جميعا عاهرات"، "سنمارس الجنس معكم جميعا"، "سنمارس الجنس مع أخواتكم وزوجاتكم"، "سوف نتبول على مراتبكم". وأضاف شهود العيان: "وضع الحراس السجناء العراة مضغوطين على بعضهم البعض ووضعوا جهاز تفتيش من الألومنيوم بين أردافهم. وفي إحدى الحالات، وضع أحد الحراس بطاقة بين أرداف شخص. حدث ذلك أمام المعتقلين الآخرين، وأمام الحراس الآخرين الذين عبروا جميعا عن بهجتهم". غير أن الشهادة لم تحدد عما إذا كانت هذه الرواية تتعلق بالرجال أو النساء.‏
الملابس الداخلية النسائية واللاوعي الاستعماري‏
‏ميَّز الجنود الإسرائيليون أنفسهم على الشبكات الاجتماعية بالوقوف بأشياء وملابس داخلية تخص النساء الفلسطينيات اللواتي نهبوا منازلهن. وهي صور انتشرت في جميع أنحاء العالم وأثارت سخطا واسع النطاق. ومن انتهاك الخصوصية، وكشف الأجساد، إلى اغتصاب النساء المستعمرات، لطالما كانت الهيمنة الجنسية سلاحا مهما من سمات الإمبراطوريات الاستعمارية. وتشرح المؤرخة كريستيل تارو Christelle Taraud، المحرِّرة المشاركة لمجلد جماعي ‏‏بعنوان "الجنسوية، الهويات، والمؤسسات الكولنيالية"،‏‏ (إصدارات ‏‏CNRS‏‏، 2019):‏ "للسيطرة على منطقة، لم يكن العنف السياسي والعسكري ينجزان ما يكفي. كان من الضروري أيضا الاستيلاء على الأجساد، وخاصة أجساد النساء، بما أن الاستعمار هو مشروع ذكوري".
تدفع النساء الفلسطينيات ثمنا باهظا في سياق حملة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. ووفقا لتقديرات ‏‏الأمم المتحدة‏‏، قُتلت نحو 9.000 امرأة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وفقدت أولئك اللواتي بقين على قيد الحياة أطفالهن وأزواجهن وعشرات الأقارب. ويجب ألا ننسى محنة النساء الحوامل اللواتي كان عددهن أكثر من 50.000 عندما بدأت الأعمال العدائية، واللواتي كن يلدن من دون مخدر، وفي أغلب الأحيان من دون مساعدة طبية، حيث يموت الأطفال حديثي الولادة من انخفاض حرارة الجسم بعد بضعة أيام فقط. وتواجه الأمهات اللواتي يعانين من نقص التغذية صعوبة في الإرضاع الطبيعي بينما أصبح حليب الأطفال سلعة نادرة في القطاع. وتتغير الإحصاءات من يوم لآخر. ولكن في 5 آذار (مارس)، توفي ما لا يقل عن 16 طفلا ورضيعا بسبب سوء التغذية والجفاف‏(5)‏ في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الكامل والحظر المفروض على وصول المساعدات الإنسانية.‏
*مريم لعريبي Meriem Laribi: صحفية تقيم في باريس.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: WOMEN’S RIGHTS: The Hushed Ordeal of Palestinian Women
*
الهوامش:
(1) تتكون المجموعة من ثمانية خبيرات: مريم السالم، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات وأسبابه وعواقبه؛ وفرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967؛ ودوروثي استرادا تانك، رئيسة فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالتمييز ضد المرأة. وعضوية كل من كلوديا فلوريس؛ إيفانا كرستيتش، هانا لو ولورا نيرينكيندي. يعمل خبراء وخبيرات الإجراءات الخاصة على أساس تطوعي. وهم ليسوا جزءا من موظفي الأمم المتحدة ولا يحصلون على أي أجر. وهم مستقلون عن أي حكومة أو منظمة ويقومون بهذا العمل كأفراد.
(2) "خبراء الأمم المتحدة يشعرون بالفزع إزاء انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها ضد النساء والفتيات الفلسطينيات"، الأمم المتحدة، 19 شباط (فبراير) 2024.
(3) المرجع نفسه.
(4) "خبراء حقوقيون قلقون من الانتهاكات المبلغ عنها ضد النساء والفتيات الفلسطينيات"، 1 آذار (مارس) 2024.
(5) "سوء التغذية" مرتفع بشكل خاص في شمال غزة، بحسب منظمة الصحة العالمية، الأمم المتحدة، 5 آذار (مارس) 2024.