Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Sep-2019

تنظيم القاعدة مستعد لمهاجمتكم مرة أخرى

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كولين ب. كلارك؛ وتشارلز ليستر* – (فورين بوليسي) 4/9/2019
18 عاماً مرت على الهجمات الإرهابية التي شُنت في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وقد تغيّر تنظيم القاعدة كثيراً وأصبح في حالة صعبة. اليوم، تبدو المنظمة الإرهابية مختلفة بشكل ملحوظ عن تلك المجموعة التي قتلت الآلاف من المواطنين الأميركيين على الأراضي الأميركية. وقد ترك الضغط المكثف لمكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان وراءه قيادة مركزية تزداد شيخوخة وافتقاراً إلى الصلات. وفي الأثناء، ترك ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، “داعش”، كمنافس من الأقران تنظيم القاعدة مع علامة تجارية ناضلت، في بعض الأحيان، من أجل المنافسة على الأسبقية الجهادية العالمية.
مع معاناة زعيم المجموعة، أيمن الظواهري، من تدهور الصحة والعزلة في مكان ما في باكستان على الأرجح، وما قيل مؤخراً عن مقتل حمزة بن لادن، الذي ربما كان التالي في سلم القيادة، يبدو أن أعضاء “القاعدة” الأكثر إخلاصاً يدركون الآن أن أفضل فرصة لإبقاء منظمتهم ذات الصلة ستكون من خلال استمرار وجودها في سورية. وللاستفادة من الفرص التي أتاحتها الحرب الأهلية السورية لتنظيم القاعدة، بدأت المجموعة في نقل أصول كبيرة من أفغانستان وباكستان إلى بلاد الشام في أيلول (سبتمبر) 2014. ويشكل هذا التحول في مركز ثقل المجموعة تغيراً كبيراً له تداعياته التي ما تزال غير مفهومة تماماً بعد بالنسبة لمسؤولي مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم. وبعد عقدين مضطربين من مهمتها المشهديّة في نيويورك، استقر “القاعدة” وركز مرة أخرى، وبكثافة، على مهاجمة الغرب.
بعد وفاة مؤسس المجموعة، أسامة بن لادن، في العام 2011 وبداية ما تسمى انتفاضات الربيع العربي، شرع “القاعدة” في تبني استراتيجية مختلفة. ولاحظ الباحثون في شؤون الإرهاب على نطاق واسع أن التنظيم بدأ يسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية أكثر محدودية، مع تركيز على المحلية والتدريجية. وأُطلقت على هذا التحول الاستراتيجي أوصاف مثل “البراغماتية المسيطر عليها” و”الصبر الاستراتيجي”. وبدا أن تنظيم القاعدة “يعيد بناء نفسه بهدوء وأناة”، بينما ترك –عن عمد- تنظيم “داعش” ليتحمل وطأة حملة مكافحة الإرهاب التي يشنها الغرب.
كانت هذه الاستراتيجية المحلية البراغماتية واضحة أكثر ما يكون في كيفية عمل المجموعة في سورية. كان هناك حيث اتخذت مجموعة عرفت باسم “جبهة النصرة” بأكثر الطرق فاعلية نهجاً جهادياً أظهر في السابق بعض النجاح في اليمن ومالي، لكنه ظل يُمنى بالفشل في نهاية المطاف. ومن خلال توجيه طاقاتها محلياً، وتطبيق قانون عقوبات صارم، وبناء التحالفات عبر الطيف الإسلامي وغير الإسلامي، والتغلب على المنافسين الأقل تطرفاً بتوفير حكم أكثر فعالية وأقل فساداً، صنعت “جبهة النصرة” مستوى من المصداقية الشعبية لم تقترب منه أي جهة تابعة لتنظيم القاعدة من قبل. وباختصار، ظلت “جبهة النصرة” مدركة تماماً للكيفية التي يتصور بها السكان المحليون علامتها التجارية، وتصرفت وفقاً لذلك. وكان إثباتها كونها أكثر الفاعلين العسكريين فعالية في ساحة المعركة مكافأة إضافية.
مع ذلك، كان للأسلوب الكامن وراء نجاح “جبهة النصرة” تداعٍ جانبي هام: فقد نأت بجناحها السوري عن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا. واستلزم انتهاج مقاربة محلية مستوى من المرونة وآلية سريعة لاتخاذ القرارات، وهو ما تبين أن من المستحيل تحقيقه بالتنسيق مع أمثال الظواهري، الذي كان في أسوأ الأحوال بمعزل تام عن العالم الخارجي، والذي استغرق -في أفضلها- شهوراً للرد على المراسلات. وبحلول العام 2016، أصبح من الواضح أيضاً أن الحفاظ على نجاح “جبهة النصرة” وترجمة المصداقية إلى شعبية، والشعبية إلى دعم، والدعم إلى ولاء، يتطلب منها التعامل مع العقبة الوحيدة الأكبر أمام إحراز التقدم: ارتباطها بالعلامة التجارية لتنظيم القاعدة، الذي لا يجلب عليها سوى الشك، والارتياب، وعدم الثقة.
من خلال إجراء تغييرين متتاليين لاسمها، في تموز (يوليو) 2016 وكانون الأول (يناير) 2017، أصبحت “جبهة النصرة” أولاً “جبهة فتح الشام” ثم “هيأة التحرير الشام”. وتم إنجاز التغيير الأول بسلام، والثاني من خلال شن هجمات عسكرية على الجماعات الإسلامية التي اعتبرتها المجموعة تهديدات محتملة. وسواء كان ذلك مقصوداً منذ البداية أم لا، فإن المجموعة لم تعد، بحلول الوقت الذي تم فيه إعلان “هيأة التحرير الشام” للعالم، تعتبر عضواً مخلصاً وموالياً في عائلة “القاعدة”. وبسبب هجماتها المفاجئة على المنافسين، كانت قد أصبحت أيضاً، ولأول مرة في وجودها، غير شعبية ومكروهة إلى حد كبير.
مدفوعين بالغضب مما اعتبروه تمييعاً لهوية “جبهة النصرة” ونقاء قضيتها، فضلاً عن العملية غير المشروعة التي تكمن وراء تطورها، انشق الموالون لتنظيم القاعدة المركزي عن المجموعة بأعداد كبيرة. وتحت قيادة بعض من قدامى المحاربين ذوي الخبرة الطويلة من أعلى المستويات في تنظيم القاعدة، أنشأ هؤلاء الموالون للتنظيم مجموعات جديدة، أهمها تنظيم “حراس الدين”. ومسترشدين بتعليمات جديدة من الظواهري وآخرين، عاد هؤلاء المقاتلون إلى نموذج النخبة الطليعية الذي اعتنقه تقليدياً أيام بن لادن، مع تثبيط الفروع والمجموعات التابعة عن محاولة السيطرة على الأراضي أو حكمها، وتجنب الروابط مع الجماعات غير النقية أو الحكومات الأجنبية، واتباع استراتيجية عسكرية صريحة، مع إبقاء عين على الأعداء “القريبين” في المنطقة، وعلى “البعيدين” في الغرب.
منذ إنشائه في أواخر العام 2017، قاد “حراس الدين” زعيم التنظيم سمير حجازي، المعروف أيضاً باسم أبو همام الشامي، وهو أخصائي عسكري بارز في تنظيم القاعدة، والذي كان قد أمضى بعض الوقت في كل من الأردن وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان قبل وصوله إلى سورية في العام 2012. وما يزال حجازي قريباً من القائد سيئ السمعة في “القاعدة”، سيف العدل، وكان قد عمل سابقاً عن قرب مع أبو مصعب الزرقاوي، لتنسيق تدريب المقاتلين الأجانب في العراق. ومع ذلك، ثمة مصدران يخبراننا بأن حجازي قد استُبدِل مؤخراً كزعيم لتنظيم “حراس الدين” بشخصية قيادية أخرى في “القاعدة”: خالد العاروري، المعروف أيضاً باسم أبو القسام الأردني، الذي تقول المصادر نفسها إن الظواهري عيّنه مؤخراً ليكون واحداً من نواب زعيم “القاعدة” الثلاثة في العالم، إلى جانب عادل وعبد الله أحمد عبد الله، المعروف أيضاً باسم أبو محمد المصري، وكلاهما يتواجدان في إيران. والعاروري واحد من اثنين على الأقل من أعضاء تنظيم “حراس الدين” الذين يشغلون مقاعد في مجلس الشورى العالمي البالغ قوامه 12 فرداً، والذين ما تزال الغالبية العظمى منهم في جنوب آسيا. وهذا يؤكد كيف أصبحت سورية الآن بمثابة النواة الرئيسية لاستثمار “القاعدة”، لتحل محل الجبهة المفضلة السابقة للتنظيم في اليمن. ولم يكن ثمة عوز لقدامى المحاربين من “القاعدة” في تنظيم “حراس الدين”، ومن بينهم سامي العريدي، وبلال خريسات، وفرج أحمد النعنع، و، حتى وردت تقارير عن وفاته في 22 آب (أغسطس)، أبو خلاد المهندس، والد زوجة سيف العدل.
بينما يواصل تنظيم القاعدة اختبار التغيّرات كمنظمة عالمية، فإن أحد أكثر الأسئلة إلحاحاً أمام صانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين هو: إلى أي مدى ما تزال المجموعة تركز على مهاجمة الغرب. وهل يمثل غياب الهجمات المشهدية المنسوبة إلى تنظيم القاعدة خلال هذه المرحلة افتقاراً إلى القدرة، أم أنه مجرد تحول في الأولويات؟
في مقابلة مع قناة الجزيرة في أيار (مايو) 2015، أوضح زعيم “جبهة النصرة” في ذلك الحين، أبو محمد الجولاني، أن الظواهري كان قد أمره بعدم استخدام سورية كملاذ تتم منه مهاجمة الغرب. وجاءت هذه التعليمات، التي وصلت في رسالة سرية في وقت سابق من ذلك العام، كاستجابة لحملة الضربات الجوية التي شنتها الحكومة الأميركية وبدأت في أيلول (سبتمبر) 2014 ضد ما تُدعى “مجموعة خراسان” -وهي كادر صغير من عناصر تنظيم القاعدة الذين يعملون في شمال سورية، مع نية صريحة بمهاجمة الغرب. وبعبارات بسيطة، كان ذلك إعادة تمحوُر منطقية، رجوعاً إلى استراتيجية “جبهة النصرة” المتمثلة في انتهاج التدريجية المتركزة محلياً، وقراراً بتجنب التعرض للاستهداف الغربي وسط حملة دولية متصاعدة ضد منافس “القاعدة”، تنظيم “داعش”.
في ما قد يكون سعياً إلى تجنب أي لبس حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والغرب قد بقيا في مصلب التصويب بالنسبة للجهود الدولية لتنظيم القاعدة، أصدرت المجموعة سلسلة من الرسائل على مدى السنوات القليلة التالية. وفي رسالة من نيسان (أبريل) 2017، أكد الظواهري مجدداً أهمية الكفاح العالمي لتنظيم القاعدة. وفي الشهر التالي، حثت رسائل من كل من حمزة بن لادن وأمير القاعدة في شبه الجزيرة العربية، قاسم الريمي، أتباع “القاعدة” على شن هجمات في الغرب. وفيما لا يشكل مفاجأة، في أيار (مايو) 2017، خلص مدير المخابرات الوطنية الأميركية في ذلك الوقت، دان كوتس، في شهادة له أمام الكونغرس إلى أن “أوروبا ستظل عرضة للهجمات الإرهابية، ومن المرجح أن تستمر عناصر من ‘داعش’ و‘القاعدة’ في توجيه وتمكين المؤامرات ضد أهداف في أوروبا”. وزُعم أن “أنصار الفرقان”، وهم مجموعة من قدامى المحاربين الموالين للقاعدة، والتي تشكلت لفترة وجيزة في سورية في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، التزموا “بالأهداف المعلنة حديثاً في سورية: شن حرب عصابات مع إبقاء عين على استهداف الغرب”. ومع ذلك، حرَّض خطاب آخر من الظواهري، والذي حمل عنوان “أميركا هي العدو الأول من المسلمين”، ونُشر في آذار (مارس) 2018، أتباع القاعدة على ضرب الولايات المتحدة. ولم يكن أي من هذا مفاجئاً، لأن الرواية الرئيسية لتنظيم القاعدة كانت تقوم دائماً على أن الغرب في حالة حرب مع الإسلام.
وقال كوتس: “يُقدَّر أن تنظيم هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين يتشاركان في التاريخ والأيديولوجيا، ولكنهما يختلفان حول السياسة. فقد ركز هيئة تحرير الشام أجندته على (سورية)، مع عدم العناية بشن هجمات في الخارج. وعلى النقيض من ذلك، قيل إن لدى تنظيم حراس الدين نظرة أكثر عالمية. كان زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، هو السلطة المحدِّدة لحراس الدين، وإنما ليس لهيئة تحرير الشام”.
يتماشى هذا التمييز الأخير مع توصيفات الظواهري نفسه لسورية، والتي يعود تاريخها إلى كانون الثاني (يناير) 2018، عندما اعترف لأول مرة بأن “هيئة تحرير الشام” هي شيء متميز عن “القاعدة في بلاد الشام”، حيث اجتذبت مجموعة “هيئة تحرير الشام” جل الانتباه العسكري الروسي والسوري اليوم، في حين تمتع أمثال تنظيم “حراس الدين” بالحرية لمتابعة أجندة “القاعدة” الخاصة بهم –حيث يساهمون في بعض الجبهات المشتركة مع “هيئة تحرير الشام”، ولكنهم ملتزمون في الغالب بالعمل المستقل أبعد إلى الشمال، في اللاذقية السورية.
وفقا لأربعة مصادر منفصلة، ناقشت شخصيات تنظيم “حراس الدين” بشكل متكرر قيمة ضرب الغرب من سورية خلال التجمعات الإسلامية الأوسع في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من أن هذا لا يرقى إلى دليل على التخطيط لمثل ذلك، فإن حقيقة أن القضية تثار في أماكن عامة ومناسبات يحضرها كثيرون ممن يعارضون مثل هذه الأفعال هي تحذير صارخ مما قد يكون بصدد الحدوث خلف الأبواب المغلقة. ومع ضعف “داعش” ونجاح روسيا في إبقاء الولايات المتحدة فعلياً خارج المجال الجوي لشمال غرب سورية، فإن هذا قد يكون هو الوقت المناسب لتنظيم القاعدة -بكتائبه الجديدة من الموالين المحليين والقيادة المحلية- لإعادة تأكيد نفسه على الساحة العالمية.
من المثير للاهتمام ملاحظة أن الولايات المتحدة، بعد فترة هدوء استمرت عامين، شنت غارتين مستهدفتين ضد أهداف مرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال غرب سورية في الأشهر الأخيرة -في 30 حزيران (يونيو) و31 آب (أغسطس)- على الرغم من حظر روسيا دخولها المجال الجوي هناك. وخلال الاعتراف بتنفيذ الضربتين، وصفت القيادة المركزية الأميركية الأهداف بأنها “قيادة تنظيم القاعدة في سورية”، وبالتحديد، “النشطاء المسؤولون عن التخطيط لهجمات خارجية تهدد المواطنين الأميركيين، وشركاءنا، والمدنيين الأبرياء”. وبعد سنوات من التركيز على “داعش”، تبدو هذه الاستهدافات علامة مشجعة، لكن الولايات المتحدة ما تزال مقيدة بسبب محدودية أصولها من الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في مسرح العمليات.
منذ قطع كل الدعم عن جماعات المعارضة التي المدققة أمنياً (التي كان عشرات الآلاف من أعضائها يشكلون مصدراً هائلاً للاستخبارات البشرية المستمرة) في أواخر العام 2017، وفقدان حرية الوصول إلى المجال الجوي الشمالي الغربي في سورية، تقوم المخابرات الأميركية والمؤسسة العسكرية الآن بمراقبة تنظيم القاعدة مع بقاء أيديهما مقيدة وراء ظهريهما. وفي الوقت نفسه، تقوم روسيا بتنسيق حملة “أرض محروقة” في نفس المنطقة، والتي ليس هدفها تنظيم القاعدة، وإنما خصومه المدنيون والسياسيون الإسلاميون الأقل تطرفاً. وهذه وصفة للكارثة بالنسبة لمكافحة الإرهاب، والتي توليها الولايات المتحدة الحد الأدنى من الانتباه، ناهيك عن السيطرة. وعلى الرغم من تعقيدها غير العادي، فإن بيئة العمليات الفوضوية هذه توفر فرصاً لا حصر لها لنواة صغيرة منضفرة بإحكام من المقاتلين المكرسين وذوي الخبرة الموالين لتنظيم القاعدة، العاكفين بإصرار على تجيد قتالهم ضدنا.
 
*كولن ب. كلارك: زميل رفيع في مركز صوفان وعالم سياسة مشارك رفيع في مؤسسة راند؛ تشارلز ليستر: زميل رفيع في معهد الشرق الأوسط، واستشاري رفيع في مبادرة المسار الثاني للحوار السوري في مجموعة الشيخ.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Al Qaeda Is Ready to Attack You Again