Sunday 7th of December 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Dec-2025

جوهرة الصحراء فيلم ضخم يوثّق سيرة القديسة كاترينا ويكشف جماليات أقدم أديرة العالم
الدستور - رنا حداد -
 
بعد عام كامل من التحضير والتصوير والتنقّل بين أربع مدن تُعد من أقدس البقاع وأكثرها حضورًا روحيًا في المنطقة، تطلق مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس / المحطة الأرثوذكسية الخميس المقبل فيلمها الجديد «جوهرة الصحراء»؛ عمل بصري ضخم يقدّم سيرة القديسة كاترينا بأسلوب معاصر، ويعيد فتح صفحات موثقة من تاريخ دير القديسة كاترينا في سيناء، أحد أقدم الأديرة التي ما تزال قائمة وفاعلة منذ قرون، والمسجّل على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
 
الفيلم يجمع بين الدراما والتوثيق في صياغة فريدة لا تشبه الأعمال التقليدية، إذ جاء نتاج رحلة روحية وفنية امتدت عامًا كاملًا، حاول خلالها فريق العمل التقاط قدسية المكان وروحانيته، والعودة إلى أصل الحكاية التي تُعد جزءًا أساسيًا من الذاكرة المسيحية والإنسانية. وقدّم «جوهرة الصحراء» مشاهد درامية تستعيد أبرز محطات حياة القديسة كاترينا، إلى جانب مشاهد توثيقية تبرز جماليات الدير ومعالمه وتفاصيله المعمارية والروحية. ولزيادة العمق البصري، صُوّر العمل في مواقع تحمل رمزية مرتبطة مباشرة بتاريخ القديسة والمشهد الروحي القديم، بدءًا من قلب سيناء داخل الدير التاريخي، مرورًا بصحراء وادي رم لاستحضار مشاهد النبي موسى، ووصولًا إلى جرش لإعادة بناء أجواء الحقبة الرومانية، وانتهاءً بالقدس حيث جرى توثيق حدث سيامة رئيس أساقفة سيناء الجديد. هذه المواقع المتنوعة منحت الفيلم بعدًا واقعيًا جعل الصورة أقرب إلى الحقيقة وأكثر إقناعًا للمشاهد.
 
الفيلم يُعد من أكبر الأعمال التي أُنتجت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، إذ شارك في صناعته أكثر من 125 شخصًا ومؤسسة من الأردن ومصر وفلسطين. وتم تنفيذه بإشراف مباشر من صاحب السيادة المطران خريستوفوروس، مطران الأردن للروم الأرثوذكس. وتولى الباحث موسى النبر مهمة البحث والكتابة، فيما أخرج الفيلم الأب صفرونيوس حنا الذي جمع بين الدقة الروحية والبناء الدرامي المتوازن. وشارك في الأداء مجموعة كبيرة من أبناء الأمانة العامة للشبيبة الأرثوذكسية في الأردن، إلى جانب طواقم فنية وخدمات لوجستية واسعة من مختلف الدول المشاركة.
 
وفي الجانب الموسيقي، وضع المايسترو مراد دمرجيان موسيقى تصويرية حملت طابعًا روحيًا عميقًا، شارك في أدائها نخبة من العازفين، بينما تضمن العمل نشيدًا خاصًا بالقديسة كاترينا من تأليف وأداء الأب نقولا مالك. واعتمد الفيلم اللغة العربية كلغة رئيسية، مع مقابلات باللغتين الإنجليزية واليونانية ترافقها ترجمة دقيقة لإيصال الرسالة إلى جمهور متنوع من خلفيات مختلفة.
 
لم يكتفِ العمل بتقديم رؤية فنية، بل استند إلى قاعدة بحثية قوية استُقيت من مصادر كنسية موثوقة، من بينها سجلات دير القديسة كاترينا الرسمية، ومخطوطات المكتبة التي تُعد من أقدم مكتبات العالم المسيحي. كما قدّم شهادات لرهبان وكهنة من داخل الدير، مثل الأب جاستن السينائي والأب ميخائيل السينائي والأب أكاكيوس السينائي، ما أضفى على الفيلم مصداقية عالية. كما تضمن الفيلم لقاءات مع شخصيات رفيعة في الكنيسة الأرثوذكسية، بينهم غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، وقداسة البابا ثيودوروس الثاني، والمتروبوليت تيميثاوس، إضافة إلى مقابلات مع مسؤولين في مجالات الآثار والسياحة والتراث في الأردن ومصر، لإبراز القيمة التاريخية والإنسانية للموقع.
 
رحلة التصوير التي امتدت بين الصحراء والجبال والمدينة المقدسة كانت إحدى أبرز محطات الفيلم. ففي سيناء، التقطت الكاميرا تفاصيل الحياة اليومية داخل الدير، من الطقوس الروحية إلى ملامح الحجر والوجوه التي عاشت في المكان مئات السنين. أما في وادي رم، فاستفاد الفريق من طبيعة الصحراء الشاسعة لإعادة بناء مشاهد ترتبط بقصة النبي موسى، وهو المكان الذي يختزن رمزية روحية وجمالية بصرية نادرة. وفي جرش، أعيد إحياء أجواء الحكم الروماني بدقة عالية، بينما حملت مشاهد القدس طابعًا توثيقيًا نادرًا لحدث كنسي يجمع الماضي بالحاضر. كما رافقت الفريق معدات تصوير حديثة وطواقم تصوير جوي من الأردن ومصر استخدمت الطائرات بدون طيار لالتقاط لقطات بانورامية للدير والصحراء.
 
وحظي «جوهرة الصحراء» بدعم واسع من الرئاسة الروحية للكنائس الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين، ومن أديرة وكنائس عدة، إلى جانب دعم جهات رسمية مصرية وأردنية مثل القوات المسلحة المصرية، ووزارة الآثار، ووزارة البيئة، والمركز الصحفي للمراسلين الأجانب، والهيئة الملكية الأردنية للأفلام. هذا التعاون العربي المشترك يُعد نموذجًا مميزًا لإنتاج أعمال ذات قيمة ثقافية وروحية مشتركة.
 
في جوهره، يتجاوز «جوهرة الصحراء» مفهوم الفيلم التقليدي. فهو مشروع للحفاظ على ذاكرة مكان مقدّس، واستعادة سيرة قديسة تركت أثرًا عميقًا في التراث المسيحي، وتوثيق تاريخ أحد أقدم الأديرة الحية في العالم، وبناء جسر بصري وروحي بين الجيل الجديد وإرث يمتد لقرون. إنه عمل يقدّم الحكاية الروحية بلغة حديثة تحترم المكان وتُبرز جمالياته، ويعيد التأكيد على أن هذه الأرض ما زالت تنبض بتاريخ يمتد من الصحراء إلى قلوب الملايين حول العالم.