الغد
معاريف
بقلم: يئير مرتون
سوريا ولبنان هما اليوم ساحتان أساسيتان لفهم مستقبل الشرق الأوسط. كلتاهما دولتان مصابتان، مدمرتان اقتصاديا واجتماعيا مع سيادة جزئية فقط، وكلتاهما تشكلان لوحة لعب لقوى عظمى إقليمية ودولية.
السؤال هو إلى أي اتجاه تسيران: فوضى وانهيار مطلق أم مسيرة بطيئة من التطبيع المفروض.
في سوريا ولبنان هما مرآة للشرق الأوسط الجديد: أيديولوجيا أقل، مصالح أكثر. دول قوية أقل، لاعبون خارجيون أكثر، نجت الدولة لكنها فقدت نفسها. وهي منقسمة إلى مناطق نفوذ – روسي، إيراني، تركي، كردي وأميركي – فيما أن دمشق تسيطر عمليا على قسم من الأراضي فقط. الاقتصاد خَرِب، الجيش متهالك والسكان يعيشون في فقر مدقع.
إيران حاولت جعل سورية جبهة إستراتيجية داخلية تجاه إسرائيل، لكنها تعرضت لإصابات قاسية في البنى التحتية، وفي القيادات وفي مسارات التهريب. إسرائيل، بثبات ورباطة جأش قلصت الرؤية الإيرانية دون الانجرار إلى حرب شاملة. المحور الشيعي مصاب، لكنه ليس مصفّى.
تركيا، من جهتها، ترى في شمال سورية منطقة فصل حيوية، أساسا حيال الأكراد، وتعمل انطلاقا من اعتباراتها الأمنية. الولايات المتحدة تحافظ على تواجد بالحد الأدنى في سوريا وأساسا لأجل منع تعزز قوة داعش وعودة إيران.
أوروبا تعبئة تركز على اللاجئين الذين يشكلون تهديدا حقيقيا وفوريا على القارة ولا تسارع إلى الاستثمار في إعمار سورية دون إصلاحات عميقة. في المستقبل القريب ستبقى سورية دولة ضعيفة تدار من الخارج.
في المدى البعيد، وحده دمج تسوية إقليمية، وانسحاب إيراني تدريجي وفتح بوابات اقتصادية، أساسا عبر دول عربية معتدلة، كفيل بأن يخلق استقرارا جزئيا. إذا كانت سورية فقدت السيادة في الحرب، فإن لبنان فقدها من الداخل. حزب الله ليس "دولة داخل دولة" – هو الدولة. الساحة السياسية في لبنان مشلولة، الاقتصاد انهار والجمهور فقد الثقة بالقيادة. إيران ترى في لبنان ذخرا استراتيجيا لكن عبئا أيضا. حزب الله مردوع من إسرائيل، يفهم بأن حربا شاملة من شأنها أن تؤدي إلى خرابه المطلق.
وإسرائيل تبث رسالة واضحة: كل تصعيد يؤدي إلى ضربة قاضية للبنى التحتية للبنان وليس فقط للتنظيم. تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إبقاء لبنان فوق خط الانهيار، لكنهما ترفضان ضخ الأموال له دون إصلاحات. هي غير ممكنة طالما كان حزب الله يسيطر. السعودية، التي في الماضي كانت سيدا مركزيا، ابتعدت لكنها كفيلة بأن تعود إذا ما شخصت ضعفا إيرانيا ونافذة فرص. في المستقبل القريب من المتوقع للبنان أن يواصل المراوحة في المكان: لا حرب، لا إعمار. فوضى مدارة. في المدى الأبعد، تغيير حقيقي يحتمل فقط إذا نشأ ضغط إقليمي ودولي منسق يستقر فيه بديل لحزب الله. سورية ولبنان هما مرآة للشرق الأوسط الجديد: أيديولوجيا أقل، مصالح أكثر. دول قوية أقل، لاعبون خارجيون أكثر. الاستقرار، إذا ما جاء فإنه لن يبدو كالسلام – بل كنظام جديد، بارد، محسوب وهش يتطلب اختبارات غير بسيطة.
السؤال ليس إذا كانت إيران ستنسحب بل إذا كان العالم يعرف كيف يستغل اللحظة التي تتصدع فيها قوتها قبل أن تسيطر الفوضى من جديد.