الغد
هآرتس
بقلم: سليم بريك
قبل أسبوعين تقريبا نشرنا هنا، أنا والبروفيسور اوري بار يوسيف، مقالا تناول التوجه الذي بدأ يسود في المعارضة المستخذية، التي هدفها هو أن كل من لا يخدم في الجيش لا يمكنه التصويت للكنيست ("هآرتس"، 10/11). من خلال هذه المطالبة، التي وجدت تجسيدها في الاقتراح الذي قدمه افيغدور ليبرمان وأيده، أراد رؤساء المعارضة تحويل إسرائيل بالفعل من دولة ديمقراطية ليبرالية، التي فيها حقوق المواطنين فطرية وواجباتهم تم تحديدها بالقانون، إلى نموذج جمهوري تكون فيه الحقوق المدنية مشروطة بأداء واجبات مثل الخدمة العسكرية. هذا التوجه خطير، لأنه يستهدف الجمهور الحريدي الذي يرفض التجند، لكنه سيضر أيضا بالمواطنين العرب في البلاد، الذين من دونهم ما كانت المعارضة ستتمكن من هزيمة نتنياهو واستبداله.
يمكن كتابة الكثير عن عيوب هذا النموذج الجمهوري. ولكن أنا هنا فقط أشير إلى أن النموذج الديمقراطي الليبرالي هو النموذج الديمقراطي الوحيد الواضح، خلافا لنماذج هابطة مثل الديمقراطية الرسمية أو الديمقراطية العرقية - النموذج الذي تم اختراعه لإبقاء إسرائيل في عائلة الدول الديمقراطية رغم عيوبها الديمقراطية الكثيرة، بدءا من التمييز المماسس والممنهج ضد المواطنين العرب ومرورا بغياب دستور يتضمن الحقوق الأساسية للإنسان وانتهاء بالإكراه الديني الذي ليس له مثيل في الديمقراطيات.
قانون الأساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي تمت المصادقة عليه في 2018، عمق أكثر أبعاد التمييز الممأسس، وفي الواقع رسخ تفوق اليهود على باقي المواطنين، الأمر الذي يتعارض مع كل قيم الديمقراطية.
الآن عرفنا عن خطوة أخرى أعلن عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في محاولته للفوز في الانتخابات المقبلة بأي ثمن، حتى بأساليب غير ديمقراطية، من خلال استغلال أغلبيته في الكنيست بشكل مستمر، وهذا نموذج واضح لاستبداد الاغلبية. القصد هو إعلانه بشأن حظر الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية، وبالتالي، شطب قائمة "راعم" وإحباط أي فرصة لتغيير الحكومة في البلاد.
أنا مضطر إلى الإشارة هنا إلى أن هذا الإجراء، إذا تم تنفيذه، فهو سيضر بالذات باليمين. الحركة الإسلامية قريبة أكثر في مواقفها في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان من القوائم الدينية والحريدية. مثلا، هجومهم على الطائفة المثلية، كما شاهدنا ذلك أكثر من مرة. إضافة إلى ذلك، نتنياهو نفسه عقد صفقات كثيرة مع منصور عباس، مثلا انتخاب مراقب الدولة، حل الكنيست وما شابه. كل ذلك تم بمباركة نتنياهو وبتنفيذ الوزير ياريف لفين. نتنياهو هو الذي اقترح على منصور عباس الالتقاء مع الحاخام حاييم دروكمان من أجل إعداده لتحالف مع اليمين. وعندما أفشل الوزير بتسلئيل سموتريتش هذا الاقتراح، نفى نتنياهو علاقته مع قائمة راعم، وبدأ في مهاجمتها وسلب شرعيتها كالعادة. سموتريتش نفسه أكد هذا الأمر، ولم يوفر أي انتقاد لنتنياهو وسماه "كذاب ابن كذاب".
لن تنتهي محاولة نتنياهو بالضرورة بحظر الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية، لأنه لا يوجد مبرر لها. ومن المرجح أن تمنع محكمة العدل العليا هذا الإجراء، رغم أنها في الفترة الأخيرة أصبحت دعامة ضعيفة. نتنياهو يعتمد على افتراض أنه سيشوه سمعة راعم، وبالتالي، إجبار قادة المعارضة في ظل أجواء كراهية العرب بعد هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، على الانضمام إليه كي لا يغضب ناخبوها منها. وهكذا سيحقق هدفه الانتخابي، وهذا أيضا ينطلق من افتراض أن نسبة التصويت في أوساط العرب في مثل هذا الوضع ستنخفض، الأمر الذي سيخدمه أكثر بالطبع.
بخصوص حق التصويت وحق التمثيل، وهما من الحقوق الأساسية في النظام الديمقراطي، فإن نتنياهو يستطيع حرمان المواطنين المسلمين من هذه الحقوق بسهولة، حيث إن المادة 4 في قانون الأساس: الكنيست محصنة بأغلبية الـ61، وائتلاف نتنياهو توجد له هذه الأغلبية. بالطبع، نتنياهو يستطيع تغيير قوانين الانتخابات (مثلا، المادة 7أ في قانون الأساس: الكنيست)، وتوسيع صلاحيات لجنة الانتخابات لشطب قوائم وإلغاء واجب مصادقة المحكمة العليا على هذا الشطب. اقتراح بهذه الروحية تم تمريره بالقراءة الأولى من قبل عضو كنيست في قائمته.
من المهم إحباط مثل هذه المحاولة لنتنياهو وهو ما يزال في السلطة، ليس فقط لأنها محاولة مكشوفة لتحويل مسار الانتخابات المقبلة لصالحه بطريقة غير ديمقراطية وغير لائقة، بل بالأساس لأن نهج نتنياهو المستبد وانعدام أي ضبط من جانبه ومن جانب الائتلاف البائس الخاضع له، قد يتسببان بضرر كبير للديمقراطية. أعتقد أنه يجب على رئيس الشاباك دافيد زيني التحرك على الفور ضد هذا التوجه لأسباب عدة. أولا، لأن الشاباك ملزم بحماية الديمقراطية حسب المادة 7 في قانون الشاباك، ولا شك أن مثل هذا الانتهاك الخطير للحقوق الأساسية لحوالي خمس مواطني الدولة يتسبب بضرر كبير للديمقراطية. ثانيا، لأن هذا الانتهاك إذا حدث، يمكن أن يعرض الحقوق الأساسية للعرب للخطر، ويقلل من اندماجهم في المجتمع، وبالتالي، قد يشكل خطرا على القيم الأساسية للدولة، بل وحتى على الأمن، نتيجة ردود الفعل العنيفة ضد مثل هذه الخطوات.
لم يتأخر الوقت بعد للقضاء على هذه الأفكار المشوهة قبل تبلورها. والأكثر أهمية هو أنه لم يتأخر الوقت بعد لقادة المعارضة على الاستيقاظ من السبات وأن ينهضوا ويهبوا للدفاع عن الديمقراطية، أو عما بقي منها. هذا هو واجبهم الأساسي في هذا الوقت العصيب.