Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2017

مباهج الأفكار في وحي الأسحار «تأملات حرة» 2/3 - ابراهيم العجلوني
 
الراي- جاء في الاسطورة ان «الوقت» كان في مبدأ أمره وأول خبره وحشاً هائلاً يربض على أبواب مدينة مليئة بالبساتين والأشجار المثمرة والانهار المكتظة بالأسماك، وأنه كان يحترم اعمار أبناء هذه المدينة حين يبلغ الواحد منهم العشرين من عمره، وأنهم سلكوا كل سبيل لوقف انقصاف أعمارهم، فما باءوا بغير الخيبة، حتى خرج لهم كاهن من غابة مجاورة، وأوصاهم بأن يملأوا نهارهم بالعمل وليلهم بالصلوات، فاذا بالوحش الهائل يضمرُ شيئاً فشيئاً حتى يغدو في حجم قط صغير، يملك طفل وادع ان يستأنسه..
 
وجاء في أسطورة اخرى ان الوقت والعمل كانا يسكنان كوخاً على اطراف احدى الغابات، وان احدهما كان يتربص بالآخر، فان نام (العمل) قام الوقت من فوره، فأخذ يقرض جوانب الكوخ، وان استيقظ العمل، التأمت جوانب الكوخ وقويت أركانه، وقد ذهب مفسرو هذه الأسطورة مذاهب شتى في تفسيرها، الا ان أقربها الى القبول، ان الكوخ هو الحياة، وأنه قائم بالفعل منتقضّ بالكسل، وأن الوقت وحش يتربص بالانسان يريد ان يدمر حياته ويجعلها حطاماً، لولا انه يحاربه بالعمل الدائب، واليقظة المستمرة.
 
**
 
ونقرأ آية الكرسي من كتاب الله العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم:
 
(الله لا اله الا هو، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الارض، من ذا الذي يشفع عنده، الا باذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشيء من علمه الاّ بما شاء، وسع كرسيّه السماوات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم... ).
 
**
 
حيّ.. وقيوم: اسمان كريمان من أسماء الله الحسنى، ولسنا هنا لنبحث أكانا اسمين من أسماء الذات أم الصفات أم الأفعال، فلذلك موقف غير موقفنا هذا، ولكنّ توكيدنا هنا إنّما يكون على ضرورة ان نستلهم في ظلالهما معاني الحياة وأسبابها، ومعاني القيّومية وتجلّياتها، فالحيّ من بني الانسان هو الفاعل المتحرك، والقائم بأمره منهم هو حامل المسؤولية، العامل، الذي لا يترك للوقت ان يملأ المكان، ويظل قائماً بمهمات الحياة بجدّ واخلاص ودأب، ويقول كل حين «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.. ) صدق الله العظيم.
 
**
 
ويظل لنا ان نعتبر الوقت مطيّة او آلة نستخدمها إن نحن عرفنا ماذا نريد، وما هي غاياتنا التي نرامقها، ويظل لنا ان نبارك أيامنا بالعمل الصالح الذي يؤتى أُكله ويلقى اجره، ويظل لنا ان نزكي قوانا وبصائرنا بالسعي في مناكبها، باسم الله ربنا الذي لا يُضيع اجر من احسن عملا.
 
***
 
* في السّحَرِ، لا يحول شيء دون التفكر في خلق السماوات والارض، ولا حاجب بعدُ، من غبار الدنيا يحول دون الدخول في (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جُنُوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والارض) ويقولون وقد خشعت قلوبهم سبحانك اللهم، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك انت علام الغيوب.
 
***
 
* وفي السحر، يتفكر المؤمنون في انفسهم، ويرون الى ما يعمرها من عوالم، وما ينفسح فيها من ابعاد، ثم يقومون لله مثنى وفرادى، ويقلبون وجوه الرأي في ذلك كله، ثم يسجدون لله، وقد استيقنوا انه هو وحده الخالق المدبّر العليم الخبير.
 
***
 
* وفي السحر، يكون القلب اكثر صفاء، واقدر على التفكر فيما يبيّنه الله تعالى من آياته التي يُجلّيها للبصائر، وامثاله التي يضربها للناس، وتملك مرآة القلب، وقد مسحت عليها يد الرحمن، ان تلتقط همس الكائنات وتسابيحها، ويكون للنفس ان تطمئن الى موقعها من الكون، ومن تقدير ربها في آن.
 
* وها انت ايها الانسان، توفاك الله ثم ابتعثك لتباشر زمنا اخر من عمرك الذي يعلم العلي الباقي متى يقر به القرار، وانك لتُحِسُّ في اعماقك معنى الانبثاقة الاولى لوجودك، ومعنى فجرك البهي الصادع، وتهيء نفسك لتجديد عزائمها، باسم باعثها من مرقدها، ومتوفيها عند موتها، وتستيقن كل حين انك الى رجوع، وعلى موعد لن تُخلفهُ، وان الى الله المصير.
 
***
 
* رب بصَر مُشرعَ على مصراعيه لا يرى صاحبه شيئا ابدا، فهو في ظلمات متكاثفة.
 
ورب سمع ملقى الى الجهات دون ان يظفر بنأمةٍ، فهو في صمت راعب محيط.
 
فسبحان الله الحي القيوم الذي يعطي الاعين ابصارها، والآذان سمعها، وسبحان من جعل وراء ذلك بصائر من لدنه، من ابصرها فلنفسه، ومن عمي عنها: فذلك هو الشقي، لم ينكشف عنه غطاؤه بعد، فهو في ضلاله وعمايته وإن كان من المبصرين.
 
***
 
* ولقد اشتمل قرآننا العظيم على دعوة كريمة دائمة للابصار والتبصر.. وها نحن اولاء نقرأ فيه قوله تعالى:
 
* ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مُبصراً..
 
* فلا أُقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسولٍ كريم..
 
* قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه..
 
* فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير.
 
* وأبصِرهم فسوف يُبصرون. «صدق الله العظيم».