Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Oct-2020

الفيلم الأمريكي «شيكاغو»… خيال مدهش من واقع مؤلم

 القدس العربي-زيد خلدون جميل

من الصعب التخيل أن جريمتي قتل في فترة العشرينيات من القرن الماضي كانتا مصدرين رئيسيين لسلسلة من الأفلام والمسرحيات، كان آخرها فيلم «شيكاغو» (2002) أحد أشهر الأفلام الموسيقية في تاريخ السينما الأمريكية من الناحيتين التجارية والفنية. لكن الفيلم كان أكثر من مجرد فيلم شهير، حيث أنه يبين قدرة العمل السينمائي على إقناع المشاهد بالتعاطف مع مجرمتين خطيرتين، قامتا بأبشع أنواع الإجرام، القتل في هذه الحالة، واعتبارهما شخصيتين مسليتين جدا. أما جرائمهما وضحاياهما، فلا أهمية لهم، وكأنهم أشياء جامدة من الممكن التضحية بها كثمن بخس للمتعة، التي يقدمها المجرمون الذين يقدمهم العمل السينمائي.
 
أحداث الفيلم
 
تدور أحداث الفيلم عام 1924 في مدينة «شيكاغو» الأمريكية، حيث تحلم الشابة الجميلة «روكسي هارت» (الممثلة ريني زيلفيكر) بالعمل راقصة ومغنية في الكاباريهات، خاصة بعد مشاهدتها لعرض الراقصة والمغنية «فيلما كيلي» (الممثلة كاثرين زيتا جونز) ولذلك، وعلى الرغم من كونها متزوجة من رجل طيب القلب يحاول جاهدا إرضاءها، تقيم علاقة جنسية مع رجل أدعى قابليته على إدخالها عالم الرقص والغناء، وتقديم العروض على خشبة المسرح نفسه الذي تقوم «فيلما» بعروضها فيه. لكن ذلك العشيق، وأثناء وجوده في مسكنها يصدمها باعترافه لها في نهاية المطاف بكذبه عليها، إذ أن كل ما كان يسعى إليه هوالاستمتاع بها.
وتستشيط «روكسي» غضبا إلى درجة أنها تأخذ مسدسا وترديه قتيلا. وتخبر «روكسي» زوجها أنها قتلت لصا دفاعا عن النفس، وعندما تحضر الشرطة يدعي الزوج الطيب أنه القاتل لحماية زوجته من عواقب الجريمة، التي اقترفتها. لكن سرعان ما تكتشف الشرطة بطلان الدعاء الزوج وحقيقة العلاقة الغرامية بين الزوجة القاتلة والقتيل، فتضغط عليها بشدة كي تقر بالحقيقة.
وسرعان ما تعترف «روكسي» بالحقيقة، بدون أن تحاول التظاهر بالندم، ويلقى القبض عليها فورا. ويصرح المدعي العام ذو الطموحات السياسية، أنه لن يتساهل مع «روكسي» وأنه سيطالب بالحكم عليها بالإعدام. وزُج بها في السجن الخاص بالنساء القاتلات. وهناك تلتقي امرأتين كان لهما دور مهم في مستقبلها.
وكانت الأولى الراقصة «فيلما» التي كانت «روكسي» معجبة بها، حيث كان قد ألقي القبض عليها بتهمة قتل زوجها وشقيقتها بسبب اكتشافها علاقة عاطفية بينهما. وعندما تحاول «روكسي» التحدث معها معبرة عن إعجابها بها تتجاهلها «فيلما» بكل احتقار. أما الثانية فكانت مديرة السجن «ماما مورتن» (الممثلة كوين لاتيفة) المرأة الشريرة والمتسلطة، التي تقدم خدمات خاصة للسجينات، لكن لكل خدمة ثمنها وطريقة الدفع متنوعة. وتنصح «مورتن» «روكسي» بالاستعانة بمحامي «فيلما» الرائع «بيلي فلين» (الممثل ريتشارد جير) الذي لم يخسر أي قضية في حياته. وتنجح «روكسي» في الاتفاق مع هذا المحامي الذي بدأ عمله بالسيطرة على التغطية الصحافية للقضية، حيث جعلها تتطرق إليها باستمرار مدعية أن «روكسي» كانت في الواقع تدافع عن نفسها، عندما أطلقت النار على عشيقها، ونشرت الصحف معلومات غير صحيحة عن القضية محولة «روكسي» من قاتلة إلى ضحية وبطلة. وكانت أكثر الصحافيين حماسا الصحافية «ماري سنشاين» (الممثلة كريستين بارانسكي) التي حولت «روكسي» إلى معبودة للجماهير. وبالتالي، تتحول «روكسي» إلى شخصية شهيرة إلى درجة أن النساء أخذن يقلدن تسريحة شعرها، وكانت مديرة السجن إحـــداهن حيث لم تخفِ إعجابها بـ«روكسي».
 
نجح الفيلم في تحويل شخصية المرأة المجرمة والشريرة، التي تنطبق على كل من شخصيتي «روكسي» و«فيلما» إلى شخصية مسلية جدا وجذابة، إلى درجة أن المشاهد لا يأبه بسوء هذه الشخصية، وبذلك، يتم التلاعب بعقلية المشاهد، وتغيير معاييره في الحياة بطريقة سهلة
 
لم يرق نجاح «روكسي» لـ«فيلما» لكنها أرادت الاستفادة من ذلك، فاقترحت عليها تأسيس ثنائي للغناء والرقص في الكاباريهات بعد ثبوت براءتيهما، لكن «روكسي» تنهرها باحتقار، فلم تنسَ رد فعل «فيلما» تجاهها عند لقائهما الأول، كما أنها الأشهر ليس في السجن فقط، بل في مدينة «شيكاغو» حتى أنها أدعت كذبا أنها حامل لكسب عطف الناس، وحققت هذه الحيلة نجاحا كبيرا. ووصلت ثقة «روكسي» بنفسها إلى درجة أنها تلغي اتفاقها مع المحامي، معتقدة أنها ستستطيع الانتصار بمفردها، لكن مشهد إعدام إحدى زميلاتها، التي كانت تدعي البراءة على عكس بقية السجينات، جعلها تغير رأيها بسرعة، فتعيد اتفاقها مع المحامي. وتبدأ المحاكمة التي يحولها المحامي الماهر إلى استعراض مضحك بمساعدة الصحافة، لاسيما الصحافية «ماري سنشاين» فيقوم بالتلاعب بالأدلة والوقائع، حتى أنه يقوم بتمثيلية المصالحة الدرامية بين «روكسي» وزوجها أمام الصحافة. ويصبح واضحا أن المحاكمة برمتها لم تكن سوى استعراض سيرك تحت سيطرة المحامي، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين والأخلاق، فالغاية تبرر الوسيلة. لكن مفاجأة تربك المحامي وخططه الشريرة، حيث تتقدم «فيلما» للشهادة عارضة مذكرات «روكسي» التي تذكر فيها حقائق تثبت جريمتها. لكن المحامي يوضح في المحاكمة «فيلما» اتفقت مع المدعي العام على تقديم هذه الشهادة مقابل تبرأتها من تهمة القتل الموجهة إليها، ويشكك في صحة ما جاء في المذكرات، وحتى يلمح أنها من اختلاق المدعي العام. وفي نهاية المطاف تتم تبرئة «روكسي» لبطلان الأدلة، وكذلك «فيلما» لاتفاقها مع المدعي العام. ويكشف المحامي لـ«روكسي» في نهاية المطاف أن حكاية المذكرات كانت من اختلاقه، إذ أنه كان من كتب تلك المذكرات للإيقاع بالمدعي العام وتحقيق براءة «روكسي» و«فيلما» معا في ضربة واحدة. وما أن تشعر «روكسي» بحريتها حتى تكشف عن حقيقتها البشعة لزوجها، بإهانته وإظهار احتقارها له، وبينت له عدم حملها، فتركها مذهولا وحزينا.
 
 
تحاول «روكسي» الدخول في عالم الاستعراض بدون نجاح، ولم يكن حظ «فيلما» أفضل، ولذلك تعرض «فيلما» على «روكسي» للمرة الثانية أن تقوما باستعراض ثنائي، على الرغم من الكراهية التي بينهما. ونجحت الفكرة نجاحا باهرا، حيث تقوم الاثنتان باستعراض رائع يحضره جمهور غفير، ضم المحامي ومديرة السجن والمحلفين الذين برأوا «روكسي». وانتهي الفيلم بتصفيق الحضور المتحمس، وتقول «روكسي» «لم نكن لننجح بدونكم».. وينتهي الفيلم.
 
الفيلم من الناحية الفنية
 
استحق الفيلم بكل جدارة النجاح الذي حالفه في دور السينما، وعلى الرغم من أداء كل ممثل لدوره ببراعة، فـإن العامل الأبرز لنجاح هذا الفيلم كان المخرج روب مارشال الذي صمم الرقصات كذلك، وجعل المشاهد يعتقد أن نجمتي الفيلم من الراقصات المحترفات، حيث قامت ريني زيلفيكير وكاثرين زيتا جونز، بأغلبية الرقصات بنفسيهما على الرغم من عدم كونهما راقصتين محترفتين، على عكس ريتشارد جير، الذي كانت له خبرة سابقة بالرقص، إذ كان قد مثّل الدور الرئيسي في مسرحية «كريز» الموسيقية الشهيرة. وإذا شعر المشاهد بأنه يشاهد مسرحية أكثر من فيلم، فليس هو على خطأ، حيث اقتبس الفيلم من مسرحية موسيقية شهيرة باسم «شيكاغو» عرضت عام 1975، وصورت جميع مشاهده وكأنها عروض على خشبة المسرح. وكان مخرج هذه المسرحية بوب فوسي، الذي كان أيضا مخرج فيلم «كباريه» (1972) الشهير، الذي كان من تمثيل ليزا مانيلي. ومن السهولة ملاحظة التشابه في طريقة الإخراج بين فيلمي «كباريه» و«شيكاغو». ويستطيع هواة السينما كذلك ملاحظة التشابه بين فيلم «شيكاغو» وفيلم موسيقي أقل شهرة بعنوان «تسعة» (2009) حيث تم إخراجهما من قبل المخرج نفسه.
نجح الفيلم في تحويل شخصية المرأة المجرمة والشريرة، التي تنطبق على كل من شخصيتي «روكسي» و«فيلما» إلى شخصية مسلية جدا وجذابة، إلى درجة أن المشاهد لا يأبه بسوء هذه الشخصية، وبذلك، يتم التلاعب بعقلية المشاهد، وتغيير معاييره في الحياة بطريقة سهلة، وهذا يجعل الفيلم المشاهد وبشكل لاإرادي يتعاطف مع الشخصية الشريرة. ونجد هذه الشخصية في الكثير من الأفلام السينمائية البارزة مثل فيلم «بوتش كاسيدي وسندانس كد» (1969) من تمثيل بول نيومان وروبرت ريدفورد، وفيلم «بوني وكلايد» (1967) من تمثيل وورن بيتي وفاي دَنوَي، وفيلم «شَين» (1953) من تمثيل آلان لاد وجاك بالانس. لم يكشف الفيلم بوضوح عن سبب مساعدة مديرة السجن الفاسدة لـ«لروكسي» أو طريقة تأثير المحامي على الصحافة، خاصة الصحافية «ماري سنشاين».
 
الخلفية التاريخية
 
تم اقتباس عدة شخصيات في الفيلم من شخصيات حقيقية، فمثلا كانت «روكسي هارت» (الممثلة ريني زيلفيكر) مقتبسة من تفاصيل أخذت من عدة شخصيات حقيقية، وبشكل خاص من «بيولا أنان شريف» التي قامت عام 1924 بقتل عشيقها في مسكنها بإطلاق النار عليه من الخلف أثناء ارتدائه لمعطفه. ولم يمت العشيق مباشرة، بل بعد أربع ساعات من الألم قضتها «بيولا» في الاستماع للموسيقى وشرب الكحول ومراقبة ضحيتها وهو يموت. وبعد ذلك قامت بالاتصال بزوجها مدعية أنها قتلت رجلا كان يحاول أن يمارس «الجنس معها» (التعبير الذي استعملته «بيولا» نفسها). واستطاعت «بيولا» أن تثبت براءتها في المحكمة بعد أن صرف زوجها الفقير أصلا كل ما يملك لدفع أجور المحامين.
وهجرت «بيولا» زوجها فور انتهاء المحاكمة قائلة «إنه غبي جدا». وتورطت مع عدة رجال آخرين حتى ماتت بالسل في سن الثامنة والعشرين.
أما شخصية «فيلما كيلي» (الممثلة كاثرين زيتا جونز) في الفيلم، فقد كانت مقتبسة من شخصية راقصة ومغنية الكاباريهات بيلفا غيتنر التي قامت، بعد زواجها مرتين، بقتل عشيقها عام 1924.
والغريب في الأمر أن المحكمة برأتها من التهمة الموجهة إليها. وبعد البراءة تزوجت طليقا سابقا لها كان ثريا. وقام زوجها الجديد بالإبلاغ عنها أنها قد هددت بقتله لأنه وجدها مع عشيق لها في وضع مخجل.
دافع المحامي وليام سكوت ستيوارت عن كل من «بيولا» و«بيلفا» بنجاح، وظهر في الفيلم في شخصية المحامي «بيل فلين» (ريتشارد جير). لماذا تم ضم «بيولا» و«بيلفا» في فيلم واحد؟ كان السبب هو الصحافية «مورين دالاس واتكنز» التي كتبت عن المحاكمتين في جريدة «شيكاغو تربيون» وعرفت المتهمتين جيدا لأنها قابلتهما شخصيا، وكانت مقتنعة بصحة الاتهامات الموجهة إليهما. ووصفت الصحافية «مورين» «بيولا» (روكسي هارت التي مثلت دورها «ريني زيلفيكر») بأنها كانت الأجمل في السجن، بينما وصفت «بيلفا» (بيلفا كيلي التي مثلت دورها «كاثرين زيتا جونز») بأنها كانت الأكثر أناقة في السجن.
وقد التزم مخرج الفيلم بإظهار الشخصيتين في الفيلم، حسب هذا الوصف ببراعة. وقامت هذه الصحافية بتأليف مسرحية غير موسيقية عنهما عام 1926.
وحالف النجاح المسرحية التي مثل بعض عروضها ممثل شاب وغير معروف آنذاك يدعى كلارك غيبل، كما قامت «»بيلفا» الحقيقية بأداء دور في أحد عروض المسرحية. وقد ظهرت هذه الصحافية في الفيلم كذلك بشخصية الصحافية «ماري سنشاين» التي مثلت دورها الممثلة كريستين بارانسكي.
لم يكن فيلم «شيكاغو» الفيلم الأول المقتبس عن المسرحية الأصلية، حيث تم إنتاج فيلم سينمائي صامت عام 1927 بالاسم نفسه. وبعد ذلك، أنتج فيلما ثانيا عام 1942 بعنوان «روكسي هارت» ومثلت البطولة فيه الممثلة والراقصة الشهيرة جنجر روجرز. لكن هذا الفيلم أهمل شخصية «بيلفا كيلي» وركز فقط على شخصية «روكسي».
 
٭ باحث ومؤرخ من العراق