Monday 2nd of June 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-May-2025

الاستقلال التاسع والسبعون: الأردن في مواجهة العاصفة|اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني

 

جو 24 :
 
كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني - 
 
في الخامس والعشرين من أيار، تطوي المملكة الأردنية الهاشمية عاماً جديداً من استقلالها، لتدخل عقدها الثامن دولةً صلبة الإرادة، ثابتة في الموقف، متجذرة في التاريخ، ومواجهة لتحديات جغرافيا وهوية تحاصرها النارمن كل الجهات.
 
الاستقلال التاسع والسبعون لا يأتي في ظروف عادية. فبينما يحتفل الأردنيون بهذه المناسبة الوطنية، يفرض الواقع الإقليمي والدولي أجندة قاسية تُلقي بظلالها على حاضر البلاد ومستقبلها، بدءاً من الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية والسياسية، وصولًا إلى اشتعال المنطقة من جديد على وقع حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة وحربه المستمرة على المخيمات في الضفة الغربية وتهجير سكانها، وما يتبع ذلك من تصريحات مستمرة لبعض الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو تتوعد الأردن وتهدد استقراره والقرارات العدوانية التي تمس سيادة الأردن مباشرة، أبرزها إعلان الاحتلال عن بناء جدار أمني يمتد على طول الحدود مع المملكة.
 
 
غزة… والجرح المفتوح
منذ اندلاع العدوان الصهيوامريكي على غزة في أكتوبر 2023، كانت المواقف الأردنية واضحة وحاسمة ودعمه الإنساني لأهل غزة مستمر ولم يتوقف. جلالة الملك عبدالله الثاني لم يتوانَ عن رفع الصوت في كافة المحافل، محذرًا من انفجار إقليمي قادم إذا استمرت آلة القتل الصهيونية بحصد الأرواح وحصار وتجويع اهل غزة وتدمير كل مقومات الحياة لديهم، دون رادع عربي قوي وموقف دولي متماسك ومساءلة قانونية.
 
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل محاولة ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وتغيير الجغرافيا والديموغرافيا، تحت سمع العالم وبصره. وبالنسبة للأردن، فإن ما يجري ليس بعيدًا عن أمنه الوطني، ولا عن نسيجه الاجتماعي، ولا عن بوصلته التاريخية التي لم تحد يومًا عن القدس وفلسطين.
 
جدار الاحتلال… بين الردع والتهديد
 
قرار الاحتلال الصهيوني بإنشاء جدار أمني على الحدود مع الأردن، ليس مجرد إجراء دفاع احترازي كما تزعم حكومة نتنياهو، بل خطوة تحمل رسائل سياسية خطيرة، وتكشف عن نوايا غير بريئة تجاه الدور الأردني في الملف الفلسطيني، وتحديدًا في القدس والضفة الغربية. هذا الجدار، الذي يُراد له أن يكون حدًا لتوسع الاحتلال وابتلاع الضفة الغربية، هو أيضًا محاولة لعزل الأردن سياسيًا عن أي امتداد استراتيجي في فلسطين المحتلة، وفرض أمر واقع جديد يُلغي أي دور مستقبلي للمملكة في ترتيبات الحل النهائي. لكن الجدران لم تكن يومًا حماية للمحتل ولا حلاً للصراعات ، والتاريخ يُثبت أن من يبني جدارًا على أرض ليست له، إنما يبني فشله بيديه ويعجل بنهايته.
 
الاستقلال… فعل مقاومة وصمود مستمرين
الاستقلال في الوجدان الأردني ليس مجرد مناسبة وطنية أو احتفال بروتوكولي او مهرجانات شعبية، بل هو فعل مقاومة وصمود مستمرين ضد كل محاولات التهميش والابتلاع والتبعية . استقلال الأردن لم يكن يومًا منحة، بل نتيجة كفاح وطني مستمر، ورؤية قيادية واعية، وإرادة شعب لم ينحنِ.
 
 
واليوم، وبعد 79 عاماً، ما تزال هذه الروح حاضرة. فالأردن، رغم كل التحديات، يرفض التورط في محاور التآمر، ويصر على مواقفه الثابتة: لا لتصفية القضية الفلسطينية، لا للوطن البديل، لا لتغيير الوضع التاريخي والقانوني في القدس، ولا لأي انتقاص من سيادته وحدوده وقراره المستقل.
 
الداخل الأردني… التماسك في وجه الإعصار
في ظل كل هذه التهديدات الخارجية، تبقى الجبهة الداخلية هي الحصن الأول للدولة الأردنية. المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو ترسيخ الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وتعزيز الشفافية، وتجديد الثقة بين المواطن والدولة، وتوسيع المشاركة السياسية وتقبل الرأي الأخر والتعددية السياسية التي مرجعيتها المصلحة العليا للوطن، حتى لا تبقى مواجهة التحديات محصورة في القيادة العليا والحكومة والأجهزة الأمنية، بل تكون معركة وطنية يشارك فيها الجميع.
 
 
الاستقلال الحقيقي يتجلى حين يصبح الوطن للجميع ويشعر المواطن بأن الدولة تنتمي إليه كما ينتمي هو لها، وحين تصبح الديمقراطية والعدالة والتنمية ليست شعارات، بل ممارسة يومية تنعكس في الخدمات العامة والتعليم والفرص العادلة.
 
خاتمة: الأردن لا يُحاصر
في الذكرى التاسعة والسبعين للاستقلال، يحاول البعض أن يحاصر الأردن، بالجدران، بالفتن ، بالضغوط ، بالعزلة ، بالتشكيك . لكنّ الأردن الذي خرج من عباءة الانتداب، وخاض حروبًا ومعارك وجود عسكرية وسياسية وإقتصادية، لن يُكسرولن ينهزم. لأن قيادته تعرف جيدًا أن الاستقلال لا يُقاس بالسنوات، بل بالثبات على المبادئ. وفي زمن تساقطت فيه كثير من الرايات، بقيت الراية الأردنية الهاشمية مرفوعة، ومكتوب عليها: "حرية، كرامة، وصمود".