Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Oct-2021

الأدب والثقافة تحت ظلال نجوم الغناء

 القدس العربي-بروين حبيب

لنتفق على أن كل مهرجان أرضٌ خصبة للفن والثقافة والفن والأدب والموسيقى، وفضاء تلتقي فيه الأصوات والحروف، ومنه تنبثق آفاق إبداعية جديدة. وقد تبلورت فكرة إطلاق المهرجانات تدريجيا من منظور عيش هذا التحالف للفن الصوتي والأدب، فأُنشِئت عروضٌ وحفلات موسيقية ولقاءات أدبية وورش عمل للكتابة للارتقاء بالجماهير نحو آفاق تعبيرية، أكثر جمالا وسلاما وسلمية.
وقيل إن «النص طريقة دخول غنية بشكل خاص إلى عوالم الموسيقى الصوتية، بينما تفرق الموسيقى في لون النص». من هذا الباب كانت برمجة فعاليات ثقافية في مهرجان جرش في دورته الخامسة والثلاثين، جامعة بين الغناء والفنون الفولكلورية والمسرح والشعر والندوات الفكرية، وكان واضحا من خلال التكثيف الذي حدث في البرمجة، أن الجميع كان يريد تجديد طاقاته الإبداعية، بعد فترة انقطاع طويلة نسبيا بالنسبة للمهرجان بسبب جائحة كورونا.
الأصداء الجميلة الأولى كانت متعلقة بالإجراءات الصارمة للحفاظ على سلامة الضيوف وجمهورهم، وهذه كانت عاملا مشجعا للمشاركة دون خوف في فعاليات المهرجان، ولأن عالم الشعر والأدب والفكر كان مفصولا عن مسارح الغناء، فلم نعش فعالياتنا بقلق، حتى معرض الكتاب في عمان كان مريحا ومنظما وجميلا، وقد كان الدخول صارما فقط للذين أخذوا اللقاح، مع أخذ حرارة الأجسام وارتداء الكمامة زيادة في إجراءات السلامة. بعد عامين تقريبا من انتشار الوباء، كان يجب أن «تهب الرياح في النار» لتنبعث الشعلة من جديد، فالخمود الذي شهدته دول العالم كله، حوّل الحياة إلى فصول افتراضية نعيشها بشكل متقطع، وإن أنقذ الثقافة من موت حقيقي.
عادت المهرجانات الموسيقية والغنائية والشعرية والأدبية، لتعيد التوازن لنفوس الناس. لقد مرّت علينا سنة عصيبة بالفعل، وتلتها أشهر جعلتهم يشعرون باستمرار اختناقهم من العزلة، وها هي بوابة الثقافة تفتح من جديد، وهذا بلا شك يؤكد أن الثقافة عصب الحياة الروحية لكل الشعوب في كل العالم.
أما عن مهرجان بحجم مهرجان جرش، الذي جمع بين الغناء والفنون الفولكلورية وأشكال تعبيرية مختلفة، مثل الشعر والأدب والمسرح، فيمكن تصنيفه بين المشاريع ذات الآفاق المبشرة بمزيد من الاهتمام بالفنون المكتوبة لتعتلي خشبة المسرح وتسجل حضورها. حتى إن كانت عين الإعلام قد ركزت أكثر على نجوم الأغنية «الراقصة» دون غيرها، فإن صوت الشعر مثلا، ملأ فراغات ما بين صخب الموسيقى والغناء. إذ كانت هذه الدورة تكريما للشاعر جريس سماوي، ودُعي إليها شعراء من كل العالم العربي، غاب عنها الشعراء الجزائريون بسبب ظروف قاهرة ارتبطت بطيران الجزائر. لقد سمحت لنا الإقامة القصيرة في عمان بالانغماس في الثقافة المحلية للأردن، في أجواء خريفية رائعة، كما منحتنا فرصة لقاء شعراء وكتاب وفناني البلد. تقلصت المسافات التي كانت تفصلنا. ما ولّد سحرا ثقافيا ذا بعد دولي لجرش، التي كانت ولا تزال محطة مهمة يتمنى أي شاعر عربي الوصول إليها، ومكانا بارزا على الساحة الإقليمية بسبب أهمية المهرجان. لقد تحولت المدينة إلى مشهد ملون ومشرق مليء بالشعر والإيقاع، ولعل الأمر كان سيأخذ بعدا أبهى لو أن القادمين للغناء أكثر رزانة، وأقل صخبا وتهييجا للجماهير في ظروف كهذه، بالنسبة لي الأصوات الأردنية أثرت المهرجان بشكل قوي، مثل النجمة نداء شرارة، ومكادي نحاس، وزين عوض التي أعتبرها اكتشافا جميلا، وأسماء أخرى في قمة الجمال يضيق المقام لذكرها.
كل عام في بعض المهرجانات العالمية تحضر الأجيال الجديدة بأداء حي في جميع الفنون، وقد اجتهدت جرش بمهرجانها، على تجمع كل الفئات العمرية، كان التنوع مبهرا، وقد شمل حتى الأطفال.
 
لقد حافظ الأدب على علاقاته مع الموسيقى والأغاني على مدى قرون، حتى أن هذه العلاقات أشبه بالزواج الأبدي، بين الشفهي والمكتوب، وبينهما وبين اللحن كموسيقى تُخضعه لقوانين الأداء، وقد لعبت المقاييس الموسيقية دورها في تقسيم النصوص الأدبية إلى أنواع، كما حددت المكانة التي يكتبسها كل فن على السلم الجماهيري، وهذا مكسب فيه من الثراء ومن الجمال ما فيه.
 
استعدت وأنا أعتلي منصة الشعر كل ذكرياتي الجميلة مع الأردن، منذ كنت طفلة مبهورة ببرامج تلفزيونية مثل برنامج «مناهل» ومسلسلات مثل مسلسل «السيف الذهبي» وأصوات دبلجت شخصيات كرتونية لا تنسى علمتنا فصاحة اللغة العربية، وظلت الذكرى الأجمل على الإطلاق في قلوبنا.
وفق رؤياي الخاصة كان الجمع بين الفنون جميعها في مهرجان واحد، فكرة بديعة لخلق موسم ثقافي مكثف، سبق بداية الموسم الدراسي بقليل، وختم العطلة الطويلة التي فرضتها جائحة كورونا علينا، كون جميع الفنون يؤسس لها الأدب والشعر. وقد تذكرت خلال أحاديثنا مع بعض الحاضرين من شعراء وأكاديميين من بين الحضور، قصة «أليس في بلاد العجائب» التي نشرت أول مرة في كتاب عام 1865، وبعد حوالي قرن من الزمان أثارت فرقة البيتلز الشهيرة موضوع الأرنب الأبيض باستمرار، وهو شخصية رئيسية في القصة، خاصة في أغنيتهم «لوسي في السماء مع ألماس». هذه واحدة من القصص التي يعج بها تاريخ الأغنية في العالم أجمع، لكننا في الشق العربي منه ننسى أن نوثق لهذه الأمور، وهذا ربما تقصير إعلامي محض. عن أغنية «القمر فوق شارع بوربون» لستينغ على سبيل المثال، وهو معروف بذكائه وميله للأدب، يروي أن الأغنية استوحاها من رواية «مقابلة مع مصاص دماء» للكاتبة الأمريكية آن رايس، فبعد حفلة للشرطة في نيو أورلينز في فندقه في حي فرنسي في شارع بوربون، قرأ الرواية حتى أواخر الليل، وحين وقف ونظر إلى الشارع المهجور تحت نور القمر كتب أفكاره، ثم امتلأ بالموسيقى وقد تشبع بالمشهد المؤثر.
وكان غريب ألبير كامو مصدر إلهام لأغنية «قتل عربي» لفرقة «ذي كور» التي على الرغم من توزيع كتيبات عن الرواية عند مدخل حفلهم، اتهموا بالعنصرية بسبب الأغنية، ما أجبرهم على غنائها في نسخة معدلة «تقبيل عربي» .
إن الذين يعتبرون عزل الأدب عن الفنون الأخرى لصالحه مخطئون، فالأدب كان وسيبقى ركيزة الفنون كلها، ويعيش في تفاعل مستمر معها، وبقدر ما يعطيها فهو يأخذ منها أيضا، لهذا حتى لا تذهب تلك الفنون في اتجاهات تعكر صفو الذائقة الجماعية، علينا أن نصالح بينها وبين الشعر الحقيقي والأدب الراقي، الحامل لجمال الكلمات والمعنى.
عالمة الموسيقى كاثرين رودنت في جامعة السوربون، قالت «متى ما قُرِئ الشعر بصوت مسموع فقد دخل فضاء الموسيقى، وقد خلقت حوارا بين علم الموسيقى التحليلي والنهج الاجتماعي للممارسات الموسيقية والشعرية، كما عملت على الموسيقى الشعبية والموسيقى الترفيهية» وهي لا تذهب بعيدا عن النظري الذي نتشبع به من حيث قدرة الشعر على التواصل بشكل كامل وعلني مع الجماهير، وبصورة ودية في ظل الحضور الموسيقي، ودمج «الكلمات المغناة» مع القصيدة بكل ألوانها.
مشكلتنا أننا في الغالب نميل إلى معاملة هذه الحقائق الثقافية وفق مراجعنا الخاصة وتراثنا وعاداتنا، دون أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت هذه الحقائق لا تتضمن خصوصية معينة من شأنها أن تبرر الخطاب النقدي الموجه لتقاطعات الموسيقى والأغاني والشعر والفكر.
لقد حافظ الأدب على علاقاته مع الموسيقى والأغاني على مدى قرون، حتى أن هذه العلاقات أشبه بالزواج الأبدي، بين الشفهي والمكتوب، وبينهما وبين اللحن كموسيقى تُخضعه لقوانين الأداء، وقد لعبت المقاييس الموسيقية دورها في تقسيم النصوص الأدبية إلى أنواع، كما حددت المكانة التي يكتبسها كل فن على السلم الجماهيري، وهذا مكسب فيه من الثراء ومن الجمال ما فيه.
مهرجان جرش العريق كان من هذا النوع، مرّ كحلم جميل وسريع، عشت بعض تفاصيله على الضفة الأدبية الشعرية الهادئة، صحيح أن ظلال نجوم الغناء غطت علينا نحن الشعراء والكتاب وأهل الأدب، لكننا كنا مكتفين جدا بلقاءاتنا الدافئة في ضيافة أصدقائنا في الأردن الذين احتفوا بنا وغمرونا بمحبة كبيرة.
 
شاعرة وإعلامية من البحرين