Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jun-2018

العرب بين مؤامرة الواقع ونظرية المؤامرة - د. شهاب المكاحله

الراي -  في ندوة عقدت في العاصمة واشنطن قبل أيام بعد اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، تم التطرق الى ما يعانيه الشرق الاوسط الكبير الممتد من افغانستان الى المغرب ومن تركيا الى القرن الافريقي من مصائب ونوائب. وكان التركيز على الصراعات في كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال والسودان ومصر مع تلميحات وغمزات بين الحين والاخر للمشاكل في كل من الجزائر وتونس والمغرب وحتى دول الخليج العربية.

بعض الباحثين المشاركين قسم الصراعات الى توترات داخلية منخفضة المستوى مثل الجزائر والمغرب
وبعضها الى توترات داخلية ذات فولتية عالية سرعان ما تحولت بفعل التدخل الخارجي الى توترات اقليمية
مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وقد تطول القائمة حسب رأي عدد منهم لتشمل دولا ما كان متوقعا أن
يحدث فيها انقسام سياسي يوما ما.
المهم في الموضوع هو أننا سنشهد تحولات كبيرة تتبع صفقة القرن إن تمت كما هو مخطط لها قبيل
نهاية العام ما يولد تطرفا عنيفا لا يمكن لأية حكومة في المنطقة من احتوائه لأنه تطرف «مُعتَق» لا يمكن
التعامل معه باساليب حديثة طالما ان العامل الاقتصادي يلعب دورا مهما في هدم الشخصية العربية
والاسلامية ووسمها بالارهاب، والفضل بالطبع لبعض هؤلاء الذين اعطوا الذرائع والمسوغات للمجتمعات
الاجنبية لنعتنا بالتطرف والارهاب.
ويرى أحد الباحثين الذين يعملون في اكبر مقر استخباراتي وبحثي في العالم بأن الدول العربية بلا استثناء
ستواجه انقسامات ونزاعات قبلية وعرقية وطائفية خطيرة وسيزيد الطين بلة التخلف الاقتصادي في العديد
منها ما يدفع بعجلة التطرف الى الامام أمام الضغط السكاني والفقر المدقع الذي سيطال شرائح كثيرة من
المجتمعات حتى النفطية منها.
هناك انفجار سكاني كبير في العالم العربي لا يواكبه تقدم اقتصادي ولا تنمية اجتماعية وثقافية وتربوية
تحاكي الواقع. فكل خطط التنمية بلا استثناء إن لم تكن حبرا على ورق هي فقط للعرض بل باتت شبيهة
بالخيال العلمي لأنها لم تجد حلولا لتوظيف الشباب او حتى لكيفية ملء فراغهم. كما أنها فشلت في خلق
أنماط عادلة ومتوازنة لتوزيع الدخل. فكم من دولة من دول الشرق الاوسط نجحت في تلبية متطلبات المرحلة القادمة من حيث تمويل بنيتها التحتية والعمل على تنمية الخدمات التربوية لا التعليمية والعلاجية لا الطبية وغيرها من الخدمات الضرورية للمرحلة القادمة.
باختصار، لم يستغرب زملائي في الفكر البحثي والاستقصائي هنا في واشنطن من أن العنف سيطاول
العديد من الدول في الشرق الاوسط وبخاصة تلك ذات الغالبية السنية. يقول بعضهم تعاني عدد من دول
الشرق الاوسط مما يلي: أولا: هناك دول لديها فائض من العقول والموارد البشرية التي تكفي لسد عجز
الدول العربية الاخرى ومثال ذلك الاردن وسوريا ومصر ولبنان. ثانيا: هناك دول لديها عجز في الموارد البشرية
مثل معظم دول الخليج باستثناء السعودية. غير أن السياسة تلعب دورا كبيرا في استقطاب الكفاءات من
تلك الدول الغنية بالعقول الى الدول الغنية بالبترول. واليوم بات البترول سلاحا يستخدمه بعض العرب ضد
بعضهم وليس ضد الغرب مثلما كان الحال في عام 1973.
لا الدول الغنية نفطيا ستشعر بالراحة نظرا لتذبذب سعر النفط تبعا لاستقرار الشرق الاوسط ولا الدول التي
لديها اقتصاد ضعيف ستشعر بنعمة الاستقرار لأنها عرضة للتيارات المتطرفة التي قد تقود البلاد والعباد
الى الهاوية إذا ما جنحت للضلال. وخلاصة ما دار في الحوار في تلك الندوة التي اقتصرت على عدد من النخب
الفكرية هي أن لا حل في الشرق الاوسط طالما كان عراقه ضعيف وسوريته منهكة. فهذان البلدان لا غير
هما عماد خيمة الدول العربية. والتاريخ أثبت ذلك عبر مئات السنين.
لقد اتصفت معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحالة من عدم الاستقرار السياسي
والاقتصادي ليس منذ انطلاق شرارة الربيع العربي بل قبل ذلك بأعوام. فكانت هناك اشارات ولكن رادارات
الحكومات العربية لم تستطع التقاطها. صرنا نلوم دولا خارجية على ما جرى من زلازل سياسية في عدد من
دولنا ولكن الحقيقة هي أن هناك تقارير اصدرتها الامم المتحدة في الماضي كانت تحذر من مغبة انطلاق
شرارة ثورات تؤدي الى انقسامات داخلية كبيرة. ولكن كان المسؤولون في الحكومات العربية لا يعطون تلك
التحذيرات أية اعتبارات، مستخدمين عبارات مثل: «الامور طيبة»، «كلش زين»، «عال العال» «الامور زينة»
و»الشعب مبسوط» وغيرها الكثير. إن مرحلة الانكار التي مارستها بعض الحكومات وسياسة التعمية هي
التي قادت الى ما تعانيه بعض الدول العربية من مآس وويلات.
وفي الختام وهذا هو المهم، اتفق الحاضرون على أن لا وجود لما يسمى بالامة العربية. هم يقولون إن هناك
تقاربا ثقافيا حقيقيا بين دول المنطقة من الناحية الثقافية واللغوية وإلى حد ما من الناحية الدينية، ولكن
وفي الوقت نفسه هناك اختلاف فيما بينها. وختم المشاركون الندوة بعبارة: «هم يلقون باللوم (اي العرب)
في كل مآسيهم على نظرية المؤامرة وما سببته من أضرار كبيرة للعالم العربي ويتناسون أن المؤامرة ليست في نظرية المؤامرة بل في أنفسهم لأنهم (العرب) قد تآمروا على بعضهم البعض».