Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Jan-2020

الإسلاميون المتطرفون يشكلون تهديدا حتى وهم وراء القضبان

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
روبن سيمكوكس* – (فورين بوليسي) 15/1/2020
صعود أمراء السجون والتطرف بين المتطرفين المسجونين يعني أن الحكومات يجب أن تكون متيقظة تجاه السجناء كما هو حالها مع الأصوليين في الشارع.
* * *
في آب (أغسطس) 2014، أحبطت الشرطة خطة محتال تافه بلا مأوى وعاطل عن العمل لقطع رأس جندي بريطاني. وتبين أن بروستوم زياماني، الذي اعتنق الإسلام مؤخراً متحولاً من عقيدة “شهود يهوه”، هو مجرد جهادي آخر انتهت خططه الكبرى بالفشل في النهاية، وانتهى به المطاف أخيراً في سجن بريطاني.
من خلال عمله في بحر من المتطرفين الآخرين في سجن صاحبة الجلالة، وودهيل، في ميلتون كينيس، وهي بلدة صغرة تقع على بعد 50 ميلاً خارج لندن، حقق زياماني موقعاً مهماً. ووفقاً لسجين سابق تحدث إلى صحيفة “التايمز” اللندنية، فقد أطلق زياماني على نفسه لقب “قائد شرطة الشريعة”، حيث كان يقوم بجولات في قطاعه من السجن لضمان أن لا يكون هناك أي سجناء مسلمين يفطرون خلال شهر رمضان.
وكان زياماني يجلب المخالفين إلى محكمة شرعية مرتجلة يديرها من زنزانته في السجن السجن. وتصف صحيفة “التايمز” كيف ظهر “متهمان” أمام زياماني بسبب جريمة شرب الكحول المفترضة. وقد أصدر زياماني مرسوماً بأن يكون العقاب هو الضرب، الذي نفذه اثنان من أتباعه بسرعة –ووحشية- في حق المذنبَين.
ولم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجلى بها التطرف الذي كان زياماني قد اعتنقه خارج السجن بمجرد أن تم حبسه. كان زياماني أيضاً يقارِب السجناء المسلمين المحتجزين حديثًا ليتحدث إليهم حول عمق إيمانهم، حيث يعرض عليهم أن يأخذهم إلى “أمير” السجن، وهو معتنق حديث آخر للإسلام، والذي يلقي عندئذٍ محاضرات متطرفة من زنزانته في السجن.
في نهاية المطاف، تم نقل زياماني إلى سجن آخر: سجن صاحبة الجلالة “وايتمور” في كمبريدجشاير. وكان هناك حين ارتدى هو وأحد زملائه، يوم الخميس، 9 كانون الثاني (يناير)، أحزمة انتحارية وهمية، وحملا أسلحة بيضاء بدائية الصنع، وشرعا في طعن موظفي السجن وهما يصرخان: “الله أكبر”. وعلى الرغم من عدم وقوع وفيات، فقد انتهى المطاف بخمس ضحايا في المستشفى. وتعامل السلطات البريطانية الحادث باعتباره هجوماً إرهابياً.
وليست المملكة المتحدة هي الدولة الغربية الوحيدة التي شهدت وقوع مثل هذه الهجمات في سجونها. لم يكن الهجوم الأول لتنظيم القاعدة في نيويورك قد حدث في الواقع في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وإنما قبل عشرة أشهر في سجن في مانهاتن.
قام ممدوح محمود سالم، العضو المؤسس لتنظيم القاعدة الذي ينتظر المحاكمة في مانهاتن بتهم تتعلق بالإرهاب، بشحذ مشط شعر وتحويله إلى نصل طوله 8 بوصات، ثم قام بطعن ضابط الإصلاح لويس بيب في عينه. وتركت المحنة بيب مع ندوب جسدية ونفسية.
كما أن هذه المشكلة ضربت فرنسا أيضا. ففي أيلول (سبتمبر) 2016، طعن أحد المتطرفين الفرنسيين المغاربة، بلال التاغي، اثنين من الحراس في وحدة تقييم التطرف التي تعتقله في سجن “فال ديواز”.
وفي كانون الثاني (يناير) 2018، ضرب مقرب سابق من أسامة بن لادن في سجن فرنسي آخر، هو “فيدين لو فييل” في شمال البلاد. فقد هاجم كريستيان جانزارسكي، وهو ألماني اعتنق الإسلام، أربعة حراس بسلاح حاد. ويعتقد المسؤولون الفرنسيون أنه نفذ هذا الهجوم من أجل إطالة فترة احتجازه في فرنسا ومنع تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه تهماً بالإرهاب.
ثم، في آذار (مارس) 2019، تآمر ميخائيل تشيلو -الذي تحول إلى التطرُّف في السجن- مع زوجته الزائرة حنان أبو الهنا، لطعن اثنين من الحراس في سجن “كوندي سور سارث” في شمال غرب فرنسا. وقد أصيب تشيلو وقتلت زوجته، أبو الهنا، أثناء رد الشرطة. وقال تشيولو أن أفعاله كانت تهدف إلى الانتقام من السلطات الفرنسية التي قتلت شريف شكاط، الجهادي الفرنسي الذي كان يستلهم “داعش” والذي قتل خمسة أشخاص وأصاب حوالي عشرة آخرين خلال هجوم بسلاح ناري وسكين على سوق عيد الميلاد في ستراسبورغ في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2018. (كان شكاط نفسه قد تطرّف في السجن أيضاً).
من الواضح أن هناك مشكلة يجب معالجتها. وفي حين أن المملكة المتحدة ليست سوى أحدث بلد يعاني من العواقب، فإنها هي التي تبنت مقاربة وقائية للتعامل معها على الأقل.
في أيلول (سبتمبر) 2015، طلبت الحكومة البريطانية تقريراً عن التطرف الإسلامي في السجون، والمراقبة وإعادة التأهيل، ونظام القضاء الخاص بالشباب. وخلص التقرير الذي أعده إيان أتشيسون (الذي كان ضابط سجن سابق هو نفسه)، إلى أن التطرف الإسلامي هو “مشكلة متنامية داخل السجون”. وقد ظهر هذا التطرف بطرق مختلفة، بدءاً ممّن يسمون “أمراء” السجون الذين كانوا “يمارسون السيطرة على نزلاء السجون المسلمين ودفعهم إلى التطرف على نطاق أوسع”، إلى “التشجيع العدواني” لغير المسلمين على اعتناق الإسلام، إلى “ثقافة العصابات الإسلاموية والعنف المترتب عليها”.
استجابةً لهذا المشكلة المتجمعة، أوصى أتشيسون بتطبيق “استراتيجية مركزية وشاملة ومنسقة… لرصد ومكافحة” التطرف الإسلامي في السجون. كما اقترح أتشيسون أيضاً احتجاز السجناء الإسلاميين المتطرفين معاً داخل وحدات متخصصة، بدلاً من الإقامة مع نزلاء السجون بشكل عام، من أجل تقليل تأثيرهم. وعلى هذه الجبهة، استجابت الحكومة –محقة- لنصيحته.
ومع ذلك، كانت هناك مجالات أخرى لم تستمع الحكومة إلى نصحه بشأنها. وفي الشهر الماضي، أعرب أتشسون عن أسفه لأن خدمات السجون والمراقبة وإعادة التأهيل “ما تزال غير قادرة على إدارة تهديد خطير لأمننا القومي”. وقد تعززت هذه الادعاءات بأحداث الأسبوع الثاني من هذا الشهر.
أحد هذه المجالات المثيرة للقلق يتعلق بالمرشدين الدينيين في السجن. وينتمي معظم هؤلاء المرشدين المسلمين إلى الطائفة الديوبندية، وهي شكل محافظ للغاية من الإسلام. وفي حين أن هذا لا يشكل مؤشراً على التطرف في حد ذاته، فإن الديوبنديين لا يمثلون السكان المسلمين في بريطانيا. وعلاوة على ذلك، خلص تقرير أتشيسون إلى أن لدى جماعات الإرشاد الديني في السجون -على الرغم من أنها حسنة النية إلى حد كبير- “فهم ضعيف” للتطرف الإسلامي. كما أن هناك أيضاً “نقصاً في السيطرة الإدارية على الوصول إلى الأدبيات والمواد المتطرفة”. (كان هذا يشير على الأرجح إلى القصة التي نشرتها صحيفة “التايمز” في نيسان (أبريل) 2016، والتي كشفت عن وجود أدبيات متطرفة في السجون البريطانية، بما في ذلك محتوى يبرر قتل المرتدين).
ما يزال مدى تقييم أهلية المرشدين الدينيين بشكل صحيح، وفحص تواريخهم والتحقق منهم بشكل مناسب، وما إذا كان لهم في الواقع تأثير إيجابي على السجناء أم لا، شؤوناً تشكل مكمن قلق مستمر. كما أن عدم القدرة على التعرف إلى الإيديولوجية الإسلاموية المتطرفة عندما تُظهر نفسها يمثل تحديًا أيضًا. وليست هذه مشكلة تقتصر على الحكومة: على سبيل المثال، بعد مشاهدة العنوان الرئيسي لصحيفة “التايمز” بشأن محاكمات الشريعة التي كان زياماني يعقدها في السجن، غرّد موظف يركز على مواجهة التطرف العنيف في إحدى المنظمات غير الحكومية النرويجية على “تويتر”، فكتب: “ليس غريباً إذا ما أراد المسلمون ممارسة دينهم في السجون… في بعض الأحيان يخلط موظفو السجن بين الممارسة الدينية والتطرف”. لسوء الحظ، يبدو أن المنظمات غير الحكومية ذات النوايا الحسنة تخلط أيضاً بين التطرف والممارسة الدينية.
من أجل فهم العقلية الإسلاموية، يجب أن تنخرط أجهزة السجون في المملكة المتحدة مع المتطرفين السابقين الذين يفهمون جذور الأيديولوجية، لكنهم أصبحوا يدافعون الآن عن القيم البريطانية والديمقراطية الغربية.
كما تحتاج الحكومات أيضا إلى تبني نهج أكثر حذراً عند تقييم الأخطار التي يمثلها السجناء الإسلاميون. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أقدم عثمان خان، الذي كان قد أطلق سراحه للتو من السجن بسبب جرائم إرهابية سابقة، على طعن شخصين حتى الموت وجرح ثلاثة آخرين في لندن. وكان يُنظر إلى خان على أنه شخص تم إصلاحه: كان الشخصان اللذان قتلهما يعملان في منظمة اشتغلت على تمكين الطلاب من الجامعات والسجناء من الدراسة والتعلم معًا، والتي كانت قد استخدمت خان كمثال على حالة دراسة ناجحة.
كان خان قد أصبح خرج من السجن وأصبح حُراً فقط لأن محكمة استئناف ألغت عقوبته الأساسية التي قضت بسجنه لمدة غير محددة، واستعيض عنها بعقوبة أكثر تساهلاً: 16 عاماً، والتي قضى منها في السجن ثمانية أعوام فقط. ومن الواضح الآن أن هذا التساهل كان خطأ. كان خان ما يزال يشكل خطراً.
وبالمثل، في أيار (مايو) 2016، قام قضاة الاستئناف بتخفيض عقوبة زياماني من 22 عاماً إلى 19 عامًا بسبب عمره. (كان قد بلغ من العمر 19 عاماً فقط عند إلقاء القبض عليه). ومع ذلك، كان من الواضح أنه يشكل خطراً مستمراً هو الآخر. والمطلوب هو تبني مبدأ “السلامة أولاً” عندما يتعلق الأمر بمثل هؤلاء الأفراد.
والتحدي كبير وشاق. فالسلطات المسؤولة عن السجون تميل إلى التقليل من احتمال تعرض المعتقلين لأيديولوجية متطرفة. ومع ذلك، مثلما لا تستطيع أجهزة المخابرات إيقاف كل مؤامرة إرهابية قبل وقوعها، لا يستطيع موظفو السجون رصد واكتشاف كل تأثير ضار محتمل.
لا يوجد نهج آمن من إمكانية الفشل. وبينما تقبل هذه الحقيقة، ينبغي على حكومة المملكة المتحدة أن تفترض أن السجناء الإسلامويين المتطرفين هم أيديولوجيون متعصبون، وليسوا أفراداً ضعفاء صادف فقط أنهم تأثروا بالدعاية المتطرفة.
سوف تكون السذاجة في فهم دوافعهم بمثابة دعوة للمزيد من المشاكل لحكومة المملكة المتحدة في المستقبل فحسب. وكما أظهر زياماني في التاسع من هذا الشهر -وكما أظهر العديد من الآخرين من قبله- فإن الخطر الذي يمثله السجناء الإسلامويون المتطرفون لا ينتهي لمجرد أنهم أصبحوا وراء القضبان.
 
*زميل مارغريت تاتشر في مؤسسة التراث، متخصص في تحليل قضايا الإرهاب والأمن القومي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Radical Islamists Are Still a Threat Behind Bars