Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Sep-2018

ملعقة يومية من زيت السمك، وإطار لحفظ الهوية - عميرة هاس

 

هآرتس
 
الغد- أبناء الخمسين في غزة ما زالوا يذكرون بابتسامة والقليل من الاشمئزاز كأس الحليب الذي تم اجبارهم على شربها كل صباح مع ملعقة زيت السمك. كبالغين هم يعرفون تقدير الاطار الداعم الذي اعطته للفلسطينيين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" والذي تم التعبير عنه أيضا بذلك الكأس والملعقة اليومية. إبن مخيم الشاطئ للاجئين الذي في الثمانينيات تعلم الرياضيات في جامعة بير زيت في الضفة، قال إن نصف الطلاب في الصف كانوا من غزة، معظمهم لاجئون. "هذا بفضل اوميغا 3 الموجودة في الزيت الذي اخذناه من الأونروا"، سخر محدثي. ابناء السكان القدامى لغزة الذين ليسوا لاجئين كانوا يحسدون ابناء اللاجئين لأن مدارس الأونروا اعتبرت أفضل من المدارس الحكومية، وحتى أنها وفرت دفاتر وأدوات للكتابة بما فيها ألوان بالمجان، لكن الفرق يكمن كما يبدو أيضا بهدف اللاجئين الطموح. بعد أن فقدوا ارضهم واملاكهم وبعد أن استيقظ بعضهم من الصدمة الأولى، علموا اولادهم بروح ذلك الهدف: تعلموا لأن التعليم هو ارضكم.
تعليم أساسي جيد، (بالنسبة للمنطقة كما أكد على مسامعي أحد خريجي ذلك الاطار) كان الخدمة الاساسية التي وفرتها وتوفرها وكالة الغوث، سوية مع الخدمات الصحية. غالبية موظفي وكالة الغوث في كل مناطق نشاطها، الذين يعدون اليوم حوالي 30 ألفا، يعملون في هاتين الخدمتين الاساسيتين. كلما كان لسكان المخيمات فرص أكثر للعمل وكسب الرزق قلت الحاجة إلى خدمات مثل توزيع الغذاء. وكلما كانت الأونروا ملزمة بزيادة الاستثمار في خدمات الطوارئ – هذا يؤثر على جودة الخدمات الحيوية للتعليم والصحة.
على الرغم من الغاء الدعم المالي للولايات المتحدة المالي للأونروا، فقد فتحت كالعادة السنة الدراسية الجديدة في 711 مدرسة اساسية تابعة لوكالة الغوث، تنتشر في اربع دول: لبنان، سورية، الأردن والضفة الغربية وغزة. العطلة الصيفية انتهت والـ 526 ألف طالب وطالبة فلسطينيين يخرجون مرة اخرى كل صباح من بيوتهم التي توجد في حوالي 60 مخيما للاجئين ويصلون إلى المدارس التي ما زالت تحافظ على علامات موحدة: ابواب ونوافذ مطلية باللون الازرق، علم الأمم المتحدة (قارات العالم تحيط بها سنبلتان)، اشجار كثيرة في الساحة التي جذوعها  طليت باللون الابيض، صور الخيام من العام 1949 معلقة على الجدران.
هذه الرموز الموحدة تم الحفاظ عليها تقريبا سبعة عقود، ملايين الاطفال الفلسطينيين عرفوا علم الامم المتحدة قبل أن يعرفوا اعلام الدول المستضيفة، وحتى علم فلسطين، وقبل أن يعرفوا نجمة داود التي تعلموا كرهها جدا كممثل للعنف العسكري اليومي. لقد التقوا باللون الازرق المميز حتى عندما ذهبوا إلى العيادة في المخيم لسبب ما أو عندما تلقوا وجبة الأكل المخصصة فقط للأطفال الذين لا يعمل آباؤهم.
كذلك الأمر، فان عملية الهندسة المعمارية التلقائية التي اجتازتها المخيمات: من صفوف الخيام وحنفيات ومراحيض في طرف كل عدة خيام إلى صفوف أقل تنظيما لعدد من الغرف خلف ساحة داخلية، والتي سرقت بضع سنتيمترات من الازقة، هكذا ضيقتها أكثر، إلى أن بدأت المباني ترتفع في التسعينيات من اجل اسكان أبناء العائلة الذين كبروا. مدخرات ابناء العائلة الذين وجدوا عمل مكنت من ذلك (في غزة والضفة وسورية، وقبل الحرب أكثر مما كان ذلك ممكنا في لبنان).
في مخيمات اللاجئين تم الحفاظ في البداية على تقسيم جغرافي بين قرى المنشأ التي طرد منها السكان وكذلك تقسيم فرعي حسب العائلات الموسعة. مع مرور السنين والتزاوج بين ابناء القرى المختلفة، فان هذه التقسيمات اختفت. في المجتمع الذي يحافظ حتى الآن على الاخلاص وعلى الروابط المادية حسب العائلة الواسعة، فان مخيمات اللاجئين خلقت تجمعات ذات طابع أكثر حداثة، لأنها وسعت حدود الثقة بالقاعدة الاجتماعية إلى ما بعد علاقة الدم، أي من العائلة والحمولة إلى تجمع أكبر لأشخاص يعيشون في نفس الواقع الصعب، الذي يوجب عليهم تدبر أمورهم في حيز صغير للحياة، اصغر بكثير مما عاشوا فيه هم أو آباءهم في السابق. الوعي بشراكة المصير الاجتماعي والوطني، الذي يتجاوز شراكة مصير ابناء العائلة ازداد. هذا حدث حتى قبل أن تترسخ المنظمات الفلسطينية التي كانت حتى اقامة السلطة الفلسطينية ليس فقط أداة معارضة ونضال ضد إسرائيل وضد الاحتلال، بل أيضا نوع من الحمائل الاعلى التي خلقت الانتماءات الداخلية الموسعة وطورت شبكات حماية ومساعدة متبادلة خاصة بها.
اللهجة الفلسطينية أيضا تم الحفاظ عليها في المخيمات، والذين جاءوا من قرية واحدة أو منطقة معينة حافظوا على اللهجة الخاصة بهم، داخل هذه اللغة. على مر السنين أخذت اللهجة الفلسطينية في كل دولة مستضيفة نوع اللغة العربية الخاصة بها، لكن ما زال من السهل حتى الآن في هذه الدول تشخيص من هو الفلسطيني حسب لهجته.
هناك مخيمات اجتازت أيضا عملية سوسيولوجيا مشابهة، من استيعاب فقراء ليسوا لاجئين. هكذا في مخيم اليرموك في دمشق قبل هدمه في الحرب الاهلية. وهكذا الامر في عدد من المخيمات في لبنان أو في مخيم شعفاط في القدس. بموازاة ذلك، من كانوا متيسرين استطاعوا ترك المخيمات. ابناء مخيم الدهيشة قرب بيت لحم بنوا في الجانب الآخر من الشارع امتداد لمخيمهم والآن يشكل بلدة منفصلة وكبيرة . هكذا أيضا خلقت مخيمات مثل الشبورة وجباليا في قطاع غزة امتدادات لأحياء اكثر راحة. ولكن العلاقة والمحبة للمخيم – ليس اقل منها لقرية المنشأ – تم الحفاظ عليها.
ليس هناك شك أن الاطار الوحيد الذي وفرته وكالة الغوث لملايين الفلسطينيين الذين عاشوا ويعيشون في المخيمات، في السبعين سنة الاخيرة، ساعدتهم في الحفاظ على خطوط التشابه فيما بينهم. ولولا وكالة الغوث، هل كانوا سيذوبون تماما في المحيط المختلف (بالاساس خارج فلسطين) وينسون أنهم فلسطينيون، كما يأمل رجال الدعاية المناهضة للوكالة أو كما يدعون؟ في دول أميركا الجنوبية يعيش مئات آلاف الفلسطينيين الذين ليسوا لاجئين (لأنهم هاجروا بارادتهم ودون علاقة بالحروب). ولم يعيشوا في يوم ما في مخيمات اللاجئين.
هم لم يتخلوا عن فلسطينيتهم وابناء الجيل الثاني والثالث يعززونها ويعززون وعيهم السياسي، واذا لم يكونوا يتحدثون العربية فهم يحاولون تعلمها الآن. لولا وكالة الغوث هل كان اللاجئون الفلسطينيون سيحافظون على الروابط والمشاعر مع القرى والمدن التي جاءوا منها، ولم يكونوا يؤسسون عليها مطلبهم السياسي بحق العودة؟ من يعتقدون ذلك يستبدلون المضمون بالاطار. 
حتى اذا نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في تدمير الاطار، وكالة الغوث، الرد على هذا الهجوم السياسي والمادي يعزز لدى الفلسطينيين العلاقات التي تربط بينهم. هذا أيضا في موازاة عملية تفكك النظام السياسي التقليدي في الستين سنة الاخيرة، الذي وحد بين الفلسطينيين في اماكن تواجدهم، في المخيمات وخارج المخيمات. الاحزاب التي شكلت م.ت.ف غير موجودة أو ضعيفة ومتنازعة في داخلها وفيما بينها. م.ت.ف نفسها فقدت افضلياتها كمنظمة طورت الهوية والثقافة الفلسطينية وحاولت في السابق خلق نظام من التضامن الاجتماعي والاقتصادي. لقد تحولت إلى قشرة دقيقة من الموظفين غير المعروفين والرماديين، وهي تعتمد تماما على السلطة الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية كما اعترف محمود عباس، تحافظ على دورها كمنسقة مع إسرائيل في الشؤون الامنية، وهي تقوم بتوفير اماكن العمل بغطاء قيادة سياسية، متخاصمة مع عدوتها حماس وحكمها في غزة، الذي هو اقل اموال منها. المنظمة تحافظ على صورتها كحركة نضال في الاساس في نظر من يعانون على جلودهم نتائج المغامرات والاحلام العسكرية لها: أي من لا يعيشون في قطاع غزة، بل في الضفة الغربية وفي الشتات.
في هذا الوضع فان الاطار الذي يتوق ترامب ونتنياهو إلى تدميره، بقي كما كان خلال سبعين سنة – جهة مسببة للاستقرار الاقتصادي، والاجتماعي أيضا. ميزانية الاونروا العامة هي حوالي 1.2 مليار دولار. الميزانية العادية هي 567 مليون دولار، و450 مليون دولار توجه للتعليم، و400 مليون تخصص لميزانية الطوارئ. و90 في المائة منها موجه لقطاع غزة. فقط هذا المبلغ المرتفع يدل على وضع جيب الشاطئ الصغير، وعلى التداعيات الشديد التي كانت للهجمات، وبالاساس على قيود الحركة والتجارة التي تفرضها إسرائيل، التي حولت نصف قوة العمل في غزة إلى عاطلة عن العمل.
باقي الميزانية مخصصة لمشاريع اعادة اعمار مختلفة (مخيم نهر البارد في لبنان مثلا أو ما تبقى من اعادة الاعمار في غزة). قبل ثمانية اشهر تقريبا ومع الاعلان الاول عن تقليص دعم أميركا بـ 300 مليون دولار، كان العجز في الميزانية تقريبا 500 مليون دولار. بجهد كبير حيث ساهمت دول مثل السعودية وقطر والامارات كل واحدة بـ 50 مليون دولار، انخفض العجز ووصل الآن 270 مليون دولار.
الوكالة اضطرت إلى تقليص فوري في خدمات الطوارئ، واحدى الخدمات الهامة فيها – الدفع النقدي للعاطلين عن العمل في قطاع غزة (النقد مقابل العمل)، كذلك تم وقف مشاريع طوارئ اخرى: خدمات معالجة نفسية لمن يعانون من الصدمات بعد الهجمات الإسرائيلية، مساعدة للبدو في مناطق ج، مساعدة للمزارعين الذين تم احتجاز ارضهم ومصدر رزقهم خلف جدار الفصل وعيادات متنقلة. ما يتم تمويله حتى الآن هو توزيع الغذاء والمواد الصحية (مثل مواد التطهير) مرة كل ثلاثة اشهر لحوالي مليون من سكان القطاع. في اطار التقليص اضطرت الوكالة إلى عدم تجديد العقود لـ 160 عامل مؤقت في غزة، وتقليص الرواتب لمئات العاملين في مشاريع الطوارئ. السؤال الكبير هو ماذا سيكون مع ميزانية 2019، هل الوكالة ستضطر أيضا إلى تقليص وحتى اغلاق خدمات التعليم والصحة.