Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Mar-2018

قراءة في كتاب – النور والديجور لميخائيل نعيمة - د. عميش يوسف عميش

الراي -  يحتوي الكتاب (23 (فصلاً – نشر مكتبة الاسرة الاردنية (مهرجان الثقافة للجميع) – اخترت ما قاله الكاتب الكبير في الفصل الاول بعنوان (النور والديجور). يقول: لقد تفشى التزييف والتقليد في التمويه في القيم الروحية العالية تفشياً لا يبشر الانسانية بغد قشيب. وينذرها بيوم عصيب.

ولو تفشت في اسواقها المالية لقامت قيامتها وراحت تفتش عن المزورين والمقلدين فتقتص منهم قصاص المتآمرين العابثين بأقداسها. فحرصها على سلامة فلسها من التزييف اشد بكثير من حرصها على سلامة قلبها من الغش. فهي قاسية جداً على من يزين لها الرصاص فضة والنحاس والزجاج الماساً. ورقيقة كل الرقة بالذين يزينون لها الرياء اخلاصاً والمذلة كرامة والعبودية حرية والاستغلال استقلالاً، والديجور (الظلام) نوراً. من قديم قال المثل: «من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك» ولعل اكبر مذمة توجهها الى عصر نحن فيه هي ثقتنا بعصر النور» فما اكثر الالسنة والاقلام التي تنزلق عنها كلمة النور بسهولة كلما حدثت عن هذا العصر.

كأن النور نقد متداول في اسواق الناس او رسام يعلقه حيث شاء. ان ما نعنيه بالنور ليس نور الشمس، فالشمس كانت قبل ان نكون ومن يعتقد ان عصرنا اصبح عصر النور وباستطاعتنا اليوم تحاشي النكبات ونتغلب على الاوجاع وهذا وهم لقوم سذج والذي يعنيه السذج تقسيم تاريخ البشر لعصور وقراؤا في العصر السابق وهو (الاجيال الوسطى) – كان عصر الشعوذات العلمية والمماحكات الدينية. وضرب حول الفكر والخيال نطاقاً من حديد، ولا يجرؤ احد ان يخترق ذلك النطاق.

حتى قال احدهم (الارض مستديرة لا مسطحة وتدور حول الشمس اتهموه بالكفر واضطهدوه وعذبوه)، ولذلك دعوا الاجيال الوسطى (اجيال الظلمات). ثم جاء ما يدعونه (عصر الانبعاث) – عصرنا – فانطلق الفكر من سجنه والخيال من عقاله، فكان طفرة في الفن والادب والعلم. واذا البخار يسير القطر الحديدية والسفن الكبيرة في البحار ودواليب المعامل تعمل واذا الاراضي تنفرج احشاؤها عن غازات غريبة وسائل اسود عجيب.
ولقد رافقت الطفرة العلمية طفرة سياسية – اجتماعية فقال الواهمون: حقاً انه لعصر الحرية والاخاء
والمساواة تشعران العصر القادم هو عصر التألق. لكن الكثيرين يشعرون بالتقهقر. اي اننا بعيدون عن النور والحرية ما دمنا بعيدين كل البعد عن التألق والحرية والتي لا تعيش الا بالنور والاخاء والذي لا ينبت الا في حمى الحرية والمساواة لا تنمو بغير الاخاء. ونحن كلما تلفظنا باسم النور والحرية والاخاء والمساواة. كنا كمن يتداولون فيما بينهم نقوداً زائفة وهم لا يعلمون.
اما اذا ذكرناها كما يذكر العابد والخاشع معبوده والعاشق الولهان معشوقه، فذكرها اذ ذاك تبريك لنا وتقديس، ومهما يحثنا على التفتيش عنها للخطوة ببهجتها التي لا توصف وكمالها الذي يفوق حد التطور. ان ما توهمه البعض نوراً في محاجر هذا العصر ما كان اكثر من وميضات في الليالي الدامسات.
لكن هذه الوميضات كانت اشد بريقاً من اخواتها في العصور الخوالي وجميعها ناتجة عن احتكاك العقل البشري بالمجهول وذلك الاحتكاك كان بطيئاً في ما مضى لأنه كان موزعاً بين شعوب تباعدت شخوصها وتفاوتت مواهبها. وشقت المواصلات وعز التعاون بينها فلا يعرف واحدها ما يعمله وما يفكر به الا القريب من جيرانه. اما في القرن الغابر فشق البخار طرقاً جديدة ثم جاء هذا الغرب بالكهرباء والراديو والطيارة فقربت الابعاد وتقلصت النجوم ودانت الحواجز اللغوية والاقليمية.
كل هذا سهل التقارب بين عقول الشعوب، فكان تبادل وتعاون واحتكاك ولولا ذلك التقارب لما كان لنا العلم الحديث الذي نعتز به ونغالي في تقديره. الكاتب يخرج من الفكر المتشائم او اللوم والانتقاد والعنف الى الفكر المتفائل الحديث.
فيقول: نعم – لقد شيدنا للعلم صرحاً شاخصاً على اسس طمرتها معاول الزمان لا نعرف اي الامم كان لها الفضل الاول في وضع اسسها. لكن يرى ان الصرح الشاهق ما زال بغير سقف والعمل يسير بين الهدم والبناء. حتى زلنا نجهل التمييز للأمم التي قدمت للعلم اكثر من غيرها وان للغرب فضلاً على العلم لا يدانيه فضل الشرق. لكننا لا زلنا في ظلمات، ولكن العين النيرة الصامتة فلا تبصر غير عالم يغمره النور والصفاء. وعندما نتكلم عن العين نعني الفكر الذي ينظر من خلال العين ونعني القلب الذي من وراء الفكر.
فلا بد قبل ان يخلو العين من ان يخلو الفكر والقلب. وهذا ليس كما يسلكه الحيوان بهذه الغريزة، لان
الانسان له فوق الغريزة نور الفكر والخيال والوجدان وهذه تحرر الانسان من الغرائز الحيوانية وتسمو به
ليصبح حراً. ثم يبدو ميخائيل نعيمة اكثر تفاؤلاً فيقول: « الانسان قلبه دليله» فالحياة سلمت الحيوان الغريزة يستدل بها، وسلمت القلب البشري بالفكر والخيال يستعين بهما للوصول لأهدافه والشوق للانعتاق من كل قيد ومعناه الحرية المطلقة والشوق لمعرفة كل شيء ومعناه النور والشوق للتغلب على الموت والالم ومعناه الوجود السرمدي. ثم الشوق الى الابداع بغير حد ومعناه القدرة على كل شيء. ان الحياة ما كانت يوماُ قاسية لحد ان تعبث بأبنائها. لقد سلمتنا بالفكر والخيال لتمكننا من بلوغ ما تشتاقه. ويقول: ان شوقنا الى المعرفة الكاملة والحرية القصوى والقدرة والبقاء هو النور فينا يهدينا السبيل السوي اليه. ما اجهل من يأكل خبز اخيه ليشبع ويجوع اخيه. وما اجهل من يطلق لسانه على هواه ويعقل لسان اخيه.
وما اجهل من يسلب انساناً حياته. ها هو عالمنا اليوم ينذر بانفجار هائل يسبب غليان مراحل الحرية ضد طفيان الاستبداء والنظام ضد الفوضى والسلم ضد الحرب، والنور ضد الظلام، يا ويلهم يطرحون صورة االله ومثاله في سوق الدلالة ليقبضوا ثمنها ذهباً اصفر، وسلطاناً زائفاً ومجداً باطلاً. لقد كان هذا الشرق اول من انتصر للإنسان، واعترف بتبعته الالهية وغايته السماوية. فعلمه ان يحب حتى الذين يبغضونه، ويغفر الاساءة للمسيء، وان يرأف بالضعيف، ويشرك جاره في خيره وماله. ويكبح جماح نفسه فلا يغضب ويثور. هكذا علمنا انبياؤنا وبمثل ذلك بشرونا. وليس ان نؤذي من يؤذينا.
وختاماً يقول لا اصدق ان هذا الشرق سيخون رسالته السامية ففي عنقه امانة ان تعامى عنها هذا الجيل وتلكأ عن تأديتها فلن تتعامى عنها ولن تتلكأ عن تأديتها الاجيال الاتية. وقد يكون الصوت الذي تسمعونه الان صوت صارخ في واد او نافخ في رماد. ولكن لن يمضي بغير صدى ولن يعدم في الغد جرفاً من الرفاق.
ولولا انني شاعر بوجود اذان تسمع لما كنت انادي ولولا انني على يقين من وجود النار تحت الرماد لما كنت انفخ في الرماد ولولا انني واثق من غلبة النور على الديجور لما كنت ادعوكم الى الجهاد في معسكر النور.
تبارك المعسكر وتبارك الجهاد وتبارك النور.