Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Oct-2018

الصوفية والسلطة السياسية - حسن أبو هنية

الراي -  ينطوي الدين عموما والدين الإسلامي خصوصا على طاقة استطرادية مذهلة، وامكانات تأويلية فائقة، بحيث تشير القراءات والتمثلات التاريخية الظاهرية والتأويلية والعرفانية للدين الإسلامي إلى تحققات تاريخية وواقعية واسعة، بحيث نجد إسلامات بعدد المسلمين، ورغم وجود توجهات وقراءات تاريخية كبرى للإسلام وتشكلات متنوعة من خلال الفرق العقدية والمذاهب الفقهية، فإن هذه الفرق والمذاهب تتضمن اجتهادات مختلفة في تصوراتها، الأمر الذي يضع المقاربة الاستشراقية الثقافوية الجوهرانية في فهم الإسلام في سجن القراءة المؤدلجة، بينما يشير التنوع الهائل في فهم الإسلام وتأويله سياسيا إلى حالة سياقية استطرادية فائقة التعدد، وقد كشفت أحداث»الربيع العربي»عن طاقة تأويلية وتفسيرية متنوعة إلى حد التناقض لدى الفاعلين»الإسلاميين»، من الإسلام»السياسي»إلى»الدعوي»وصولا إلى «الجهادي»، ويمكن التعرف على شدة الاختلافات السياقية عبر دراسة سلوك القوى والتوجهات الإسلامية من منظورات مختلفة، ومن ضمنها السلطة السياسية، ويبرز الاختلاف عند تتبع الإسلام الصوفي كأحد أكثر القوى والتوجهات الدينية ادعاء ابتعادها عن مدارج السياسة ومسالك السلطة، عبر تعريف الصوفية نفسها كثورة روحية في بنيتها الأساسية تتناقض مع طبائع السلطة المادية.

على الرغم من التنافر الظاهر بين الصوفية باعتبارها ثورة روحية تسعى الى اصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها وتخليتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل ابتغاء الوصول الى كمال الايمان ودرجة الاحسان، وتعمل على الاشتغال بالاخرة، كحركة دينية استندت في مشروعيتها على العامل الديني والمصادر الإسلامية التأسيسة التي تدعو الى الزهد واخلاص العبودية الله؛ إلا أن نشأتها وتأسيسها تشير الى أسباب أخرى سياسية واجتماعية وثقافية، فقد تبلورت تاريخيا مع ما شهده الاسلام المبكر من فوضى سياسية وفتن وحروب داخلية وما رافقها من قلق روحي ومظالم اجتماعية وتفاوت فاحش بين الناس أدى الى تنمية روح الورع والزهد، وبهذا فالصوفية تعبر عن موقف سياسي بمستوياته الدنيا.
يشير تتبع مسارات التصوف عن تحولات عميقة في بنيتها وتكوينها وعلاقتها بالسلطة، فقد تحولت من تجربة شخصية ذات طبيعة نخبوية الى ظاهرة اجتماعية منذ القرن الحادي عشر الميلادي، واستقرت تصوفا طرقيا شعبيا منذ القرن السابع عشر، ولم يكن للصوفية أن تستمر وتزدهر دون مساندة السلطة ورعايتها ولم تكن السلطة لتحافظ على استقرارها دون تأييد الصوفية، فقد حكمت معادلة»الولاء/ الرعاية»العلاقة بين الطرفين. إلا أن هذه المعادلة لم تكن آلية مطردة فالسلوك السياسي للطرق الصوفية تاريخيا كان متأرجحا بين المعارضة والموالاة، كما أن السلطة السياسية تبنت سلوكا مماثلا.
ومع ذلك فإن الصوفية لم تتتلبس تاريخيا بتقاليد النزاع والصراع على السلطة فضلا عن ممارسة الانقلاب وتحقيق الثورة في نطاق دار الإسلام، أما في حال دخول قوات احتلال لبلدان إسلامية كما حصل إبان المرحلة الاستعمارية فإن الاختلاف بين الطرق يصل حد التناقض بين من يتبنى المقاومة والجهاد وبين من يتبنى الموالاة والركون للإدارة الاستعمارية، ففي مصر انقسمت مواقف الطرق الصوفية من الاستعمار البريطاني فالطريقة الأحمدية تعاونت أما الطريقة العزمية فقاومت، وفي السودان ساندت المرغنية والختمية الاحتلال وتبنت الطريقة المهدوية المقاومة والجهاد، وفي ليبيا تواطأت معظم الطرق الصوفية مع الاستعمار الايطالي وتصدت السنوسية بقيادة شيخها عمر المختار، وفي الجزائر برز الأمير عبد القادر وهو زعيم الطريقة القادرية في التصدي للاستعمار الفرنسي إلى جانب الطريقتين الرحمانية السنوسية والدرقاوية الطيبية، فيما وقفت الطريقة التيجانية إلى جانب الإدارة الاستعمارية، ويتكرر مشهد الولاء والمعارضة الصوفي في كافة الأقطار العربية والاسلامية التي خضعت للقوة الاستعمارية.
عقب أفول الحقبة الكولينيالية وتحقيق الاستقلال وقيام الدولة الوطنية في العالم العربي عمدت معظم الأنظمة القطرية على اختلاف منظوماتها السياسية والثقافية على استدخال الصوفية في أجهزتها الأيديولوجية، وعملت على دعمها وإسنادها ومأسستها، وبحسب فوليا أتاجان التي أجرت مقارنة بين الحالتين التركية والمصرية وعلاقة الطرق الصوفية بالسلطة بعد الإستقلال وتكوين الدول القومية فقد فضلت معظم البلاد العربية أن تضم الطرق الصوفية إلى تركيبتها السياسية الجديدة. ولا يعنى ذلك أن الطرق الصوفية لم تكن أبداً فى موقف معارضة من هذه الدول، ومن العسير فى الواقع عمل تعميم لموقف الطرق الصوفية من الدولة، فيمكن للمرء إيجاد أمثلة على الحالتين من معارضة وتأييد. وبعبارة أخرى فالمواقف السياسية للطرق الصوفية كانت تتغير وتتبدل حسب الظروف الإجتماعية والسياسية لكل بلد عبر التاريخ. ومن الممكن إيجاد أمثلة لعدة صور من ضم الطرق الصوفية فى العديد من الدول. فالطرق الصوفية محظورة فى تركيا ولكن العديد منها كون علاقات حماية مع أحزاب مختلفة بما فيها حزب»الشعب الجمهورى»، وتكيفت مع النظام الجديد لتعدد الأحزاب وأصبحت جزءا من النظام السياسى التركى. فحزب»النظام القومى»، وهو أول حزب أنشأه نجم الدين إربكان وأصدقاؤه كان فى واقع الأمر من تأسيس إحدى الجماعات النقشبندية الخالدية – فرع جوموش حنفى – بتأييد من مجموعة نورشو. واليوم فإن شخصيات مهمة جداً بما فيهم رجب الطيب أردوجان فى حزب»العدالة والتنمية»كانوا أعضاء فى جماعة النقشبندية.
في هذا السياق كان سلوك الطرق الصوفية إبان أحداث الربيع العربي براغماتيا، وتراوحت مواقف الطرق الصوفية تجاه الثورات بين الصمت والإدانة، فقد اعترف الشيخ محمد الشهاوي رئيس المجلس العالمي للصوفية وشيخ الطريقة الشهاوية بأن معظم الطرق الصوفية_ إن لم يكن كلها_ تحول موقفها من النظام الحاكم عقب نجاح ثورة 25 يناير، وقال:»إن الطرق الصوفية في موقفها من النظام السابق ورئيسه كانت تقوم على مبدأ»أطيعوا االله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، فهذا مبدأ صوفي عام، ولكن ليس معنى ذلك إطاعة ولي الأمر في الخطأ، فنحن نطيع ولي الأمر في حالة صلاحيته».
يبدو سلوك الطرق الصوفية واضحا بالميل نحو البراغماتية الواقعية، فهي مع سلطة المتغلب بغض النظر عن نهجه وسلوكه السياسي، ولذلك شهدت الطرق الصوفية تبدلا متوقعا عقب نجاح الثورة في تونس ومصر، وعادت إلى متلازمتها التاريخية بين الإخلاص لوظيفتها الدينية كأيديولوجية فردية للخلاص الروحي في إطار مؤسساتها التقليدية «الطرق»والانشغال بالآخرة، وبين الدخول في أفق التحديث والاشتغال بالسياسة من خلال»الأحزاب»، وشهدت الطرق الصوفية انقساما فمعظمها آثر العودة إلى التقليد بينما أعلن بعضها عن عزمه على الدخول في الحياة السياسية والمشاركة بفعالية من خلال تكوين أحزاب، فالتحولات السياسية للطرق الصوفية بمصر شملت محاولة الاستفادة من الثورة لتصفية الحسابات مع الشيخ عبد الهادي القصبي شيخ المشايخ الصوفية لكونه أحد أعضاء الحزب الوطني المصري، وعضو مجلس الشورى المعين من قبل النظام السابق، وقامت 15 طريقة صوفية بإصدار بيان طالبت فيه بعزل شيخ المشايخ باعتباره من فلول الحزب الوطني ولابد من تطهير المشيخة الصوفية، وأعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية برئاسة د. عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ومشايخ 45 طريقة رفض إنشاء أحزاب سياسية باسم الصوفية، مؤكداً أن النشاط الصوفي سيستمر ولن يتأثر بما يحدث حالياً.
كانت 18 طريقة من الطرق الصوفية، ومنها العزمية والشبراوية والشرنوبية والإمبابية، قد أعلنت عن عزمها تأسيس حزب سياسي ينسجم ومتطلبات المرحلة الحالية والمقبلة، من أجل تحقيق مبدأ المواطنة تحت اسم››التسامح الاجتماعي››. كما طالب مشايخ الطرق الصوفية بتطهير المجلس الصوفي الأعلى من رموز الحزب الوطني التابع لنظام مبارك، مؤكدين أنه لا يوجد ما يمنع من تأسيس حزب سياسي اجتماعي يجمع الصوفيين، البالغ عددهم رسميا 15 مليون صوفي وأعلن الشيخ علاء الدين ماضي أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية عن التحضير لإنشاء حزب «التحرير المصري»، يضم شخصيات سياسية واقتصادية مصرية وهو حزب مدني في إطار»جبهة الإصلاح».
خلاصة القول أن الطاقة التأويلية التفسيرية للدين الإسلامي هائلة ومتنوعة، إذ نجد قراءات متعددة ومختلفة تصل حد التناقض، ليس بين المدارس والمذاهب الكبرى، بل تشمل هذه المدارس ذاتها، وقد كشفت أحداث الربيع العربي وما بعدها عن اجتهادات وانقسامات مذهلة داخل حركات الإسلام السياسي، ولدى التيارات السلفية المختلفة حد التصادم، وصولا إلى الطرق الصوفية التي شهدت تنوعا واختلافا بالتعامل مع السياقات السياسية المتغيرة،، وتبدو الطرق الصوفية مندرجة في إطال سسيولوجيا التحول والتغيير والتسييس رغم تشديدها على الأسس الأخلاقية والروحية.
hasanabuhanya@hotmail.com