Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Mar-2017

مأزق التفكير في موسم الربيع - د. فيصل غرايبة
 
الراي - ان المأزق الذي أوقعت الجماعات والتيارات التي ركبت الموجة واعتلت صهوة السلطة في دول ما يسمى بالربيع العربي نفسها فيه، هو اكتسابها لصفة الأنانية بدوافع نرجسية، عند تعاطيها مع الأطياف السياسية والثقافية داخل مجتمعاتها، وتعمدها أن تتعايش مع حالة إنكار الآخر، وسعيها لجعله مشابها لها، علاوة على انها لم تقدم نفسها بالصورة الصحيحة التي يمكن لغيرها من التيارات المتعددة أن يتقبلها، وهي الأزمة التي أخذت تعيشها تلك المجتمعات والدول التي ابتليت بوصول تلك الجماعات والتيارات الى السلطة، وأصبح وجودها مرتبطا دائما بمحاولة لتبرير تصرفات مجموعة من المتمسحين بالدين والمتاجرين به، وتصحيح المفاهيم التي يعتبرونها مغلوطة في نظرهم، وإن يكن ذلك بنبرة متوترة وقلقة.
 
وهكذا عندما دخلت مرحلة التقاط الأنفاس التي اعقبت تخلي العهد السابق عن السلطة بصورة سريعة ومفاجئة لم تعمل بالتراكم والبناء على ما سبق، باعتبار أن ما انجز فيما سبق كان باطلا وخاطئا وضارا بمصلحة البلاد، واعتمدت الارتجال بالمواقف والتسرع بالخطوات، وليس في عملية مطردة تحمل آفاقا للتجديد، ولم تستفد من اخطاء الممارسات الانقلابية والثورية المتهورة والخاطئة التي طبقتها الأنظمة التي فرضت نفسها، دون أن تؤسس الأرضية التي يمكنها البناء عليها، وأن تعمل على تعزيز القيم الإيجابية، والفهم المنطقي للمراحل التاريخية. دخلت مجتمعات الدول المنسوبة الى موسم الربيع العربي بعد ذلك الى حالة توقف التنمية وتعطل الخدمات، لا بل الى حالة التدمير والاتلاف للمؤسسات القائمة والبنية التحتية المشادة، والتي سبق ان انشئت لخدمة الدولة والشعب، وانجزت وفقا لمتطلبات التنمية والتحديث. وأصبح المواطن في تلك المجتمعات يبحث عن الأمن المفقود والاستقرار المنشود فضلا عن شح الموارد التي تكفيه للعيش بأكله وملبسه ومسكنه ووسائط انتقاله وتعليم ابنائه ومداواة مرضاه، وهي حلقات حياتية مرتبطة بتقديره لنفسه، وبمدى شعوره بأنه يمتلك القيمة المعنوية التي تنعكس على محيطه البشري والمادي، وتغذي تمسكه بها، وبصيانتها وتنميتها، وحرم بالتالي من اخذ نصيبه من ثمار التنمية والخدمات العامة بصورة كافية وعادلة.
 
ولما كان العقل العربي يعاني أصلا من اشكالية التعامل مع مسألة استثمار الموارد المادية المحددة، وتتحول هذه المسألة إلى معضلة حقيقية عند التعامل مع القضايا المجردة كالوقت والفكر، في الوقت الذي ترى فيه بعض التيارات أن النهوض بالمجتمع يصبح محصلة مباشرة لتطبيق الشريعة، دون أن يترافق ذلك مع استلهام للقيم الإنسانية المتضمنة في الشريعة والنصوص الإسلامية المؤسسة لها، ودون العمل على ايجاد منهجية عقلية مغايرة لا تخشى التقدم في التفكير طالما تمكنت من الموازنة بين تراثها وعصرها.
 
لم يكن من المناسب مذذاك، أن يبقى الأردن منشغلا بالأشياء العادية، وأن يغض الطرف عما يحدث بالفعل، والتغير ماض بازدياد، في كل الأنحاء العربية والمناحي العالمية، أو أن يكتفي بإحداث تغييرات سطحية بمجالات محدودة، ولذلك أعاد النظر في اطاره الدستوري، واحدث تعديلات تحديثية عليه، ورسم مؤخرا اطارا لتطوير القضاء، وما بين هذه وتلك، أخذ هذا البلد بالسعى لاحداث تغيير حقيقي يطال البنية الثقافية للمجتمع الأردني والعمليات السياسية التي تدار بها الدولة، على النحو الذي طرحته الأوراق النقاشية الملكية، والتي عالجت المهمة الأساسية في قيادة الإصلاح الشامل بعيد المدى وبعيد النظر، ذلك الذي يدفع الناس أن لا يحصروا تفكيرهم في مرحلة الالتفات إلى مستقبلهم الشخصي، بل الى التفكير ببدائل التغيير الوطني الشامل نحو الأفضل، فيشعر الذين عملوا على وضعها، أنها لهم وإنها جزء منهم، وأن مستقبلها جزء من مستقبلهم، ويتحول هؤلاء إلى طاقة تقود عملية التجديد، ولا تجعل من نفسها أسيرة الماضي، اذ أن هناك فرقا بين قيادة تسعى لحفظ التوازن، من منظور نفي وجود مشكلات، وتحافظ على القيمة الموجودة داخل بلدها، وبين قيادة تسعى لخلق قيمة ايجابية جديدة مضافة.
 
dfaisal77@hotmail.com