Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2019

حريق نوتردام ومستقبل التاريخ

 الغد-آدم روجرز – (وايرد) 15/4/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
لأنها نجت إلى حد كبير وبقيت صامدة لتدخل العصر الرقمي، فإن كاتدرائية نوتردام تعيش في العالم الافتراضي أيضاً -وقد يجعل ذلك من جهد ترميمها أكثر اكتمالاً. فعلى مدى نصف العقد الماضي أو نحو ذلك، عمل مؤرخ معماري اسمه أندرو تالون بالماسحات الضوئية الليزرية لالتقاط صور لمجمل الكاتدرائية من الداخل والخارج في سحابات دقيقة ثلاثية الأبعاد. وكشفت نقاطه المليار من الضوء عن هيكل حي؛ وعملت الدعامات الطائرة الرائعة على إبقاء الجدران مستقيمة، لكن “معرض الملوك” -التماثيل الموجودة على الواجهة الغربية، لم تكن عمودية بالضبط وإنما مائلة بمقدار قدم، كما قال تالون لمحطة “ناشيونال غرافيك” في العام 2015.
 
* *
كان بعض الخشب الذي احترق في كاتدرائية نوتردام في باريس يوم الاثنين قد وُضع في المكان في العام 1160. ويعود تاريخ بناء العوارض والتكوين الخارجي للسقف فوق الصحن -الجزء الرئيسي الطويل من المبنى- إلى الفترة ما بين العامين 1220 و1240. قبل نحو ألف عام مضت، كانت غابة مورقة؛ واليوم، بعد الكارثة التي أصابت قلب الثقافة الفرنسية والتاريخ الإنساني، أصبحت رماداً.
يقول روبرت بورك، المؤرخ المعماري في جامعة أيوا: “كان واحداً من أقدم السقوف الباقية من هذا النوع -حتى اليوم. إنه لا يضاهى”.
بدأ الحريق مساء يوم الاثنين، حول الساعة السادسة والنصف مساء، في علية الكنيسة. وكانت الأبراج المألوفة للمبنى والدعامات الطائر تلوح في أفق جزيرة “دو لا سيتي” منذ قرون، محفزة المؤلف فيكتور هوغو على وضع نوتردام -ليس في المركز الحَرفي لمدينة باريس فحسب، وإنما أيضاً في مركزها التاريخي، كرمز. وجعلت ألسنة النار وعمود من الدخان الكاتدرائية أكثر إدهاشاً. وبينما ينتشر اللهب، أصبح التأثير المحتمل للحريق أكثر وضوحاً. وألغى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة كان من المقرر أن يلقيها. واحتشد أربعمائة من رجال الإطفاء لمكافحة الحريق. وأمسكت النار ببرج الكاتدرائية المصنوع من الرصاص والخشب، الذي كان قد بناه إيوجين إيمانويل فيوليت لو دوك في العام 1860، وأسقطته.
بحلول ليلة الاثنين، بدا أنه تم إنقاد القطع الفنية والموجودات الثمينة المحفوظة في الكاتدرائية. لكن المؤرخين المعماريين في كل أنحاء العالم انهمكوا في تراسل محموم مع بعضهم البعض عبر البريد الإلكتروني: إذا قاومَت الأرباع الثلاثة السفلى من المبنى، وإذا صمدت الجدران الحجرية، فسوف يكون من الممكن تخيل القيام بعملية ترميم واستعادة كاتدرائية نوتردام. ويقول بورك: “إذا انتهى الحريق وظلت الأقبية الحجرية متماسكة، فإن الترميم يكون عندئذٍ ترميماً. أما إذا شرعت الأقبية في التصدع وسقطت، فعندئذٍ سيكون المبنى قد فُقد. وسوف نكون بصدد الحديث عن إعادة بناء، وليس عن ترميم”.
لم تفتر همة رجال فرق الإطفاء الباريسية أمام هجمة النيران، واستطاعوا منع الحريق من الانتشار إلى أبراج الواجهة الغربية للكاتدرائية. لكن الخشب -الذي كان في حد ذاته كنزاً معمارياً- فُقِد. ويقول بورك: “الكاتدرائيات مثل شارتر كلها احترقت. لكن هذا البناء كان مميزاً جداً، إنه من الزمن الذي كانوا يطورون فيه تقنيات بناء السقوف حقاً”. لكن بقية المبنى أنقِذت على ما يبدو.
كمعلم تاريخي، تعيش كاتدرائية نوتردام في رسومات ولوحات وصور لا حصر لها، ناهيك عن ذكريات الناس الذين زاروها، والذين تعبدوا فيها، والذين استمعوا إلى الموسيقى وسط تكويناتها السمعية التي لا تُضاهى. ولكن، لأنها نجت إلى حد كبير وبقيت صامدة لتدخل العصر الرقمي، فإن كاتدرائية نوتردام تعيش في العالم الافتراضي أيضاً -وقد يجعل ذلك من جهد ترميمها أكثر اكتمالاً. فعلى مدى نصف العقد الماضي أو نحو ذلك، عمل مؤرخ معماري اسمه أندرو تالون بالماسحات الضوئية الليزرية لالتقاط صور لمجمل الكاتدرائية من الداخل والخارج في سحابات دقيقة ثلاثية الأبعاد. وكشفت نقاطه المليار من الضوء عن هيكل حي؛ وعملت الدعامات الطائرة الرائعة على إبقاء الجدران مستقيمة، لكن “معرض الملوك” -التماثيل الموجودة على الواجهة الغربية، لم تكن عمودية بالضبط وإنما مائلة بمقدار قدم، كما قال تالون لمحطة “ناشيونال غرافيك” في العام 2015.
تماماً كما كانت الأحوال كلها في زمن فيكتور هوغو، كان المبنى بكامله في حالة سيئة في الحقيقة في ذلك الحين. وفي العام 2017، أصبحت المشكلة خطيرة بحيث لم يعد بالوسع تجاهلها. ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقاريراً عن حجارة من البناء أزيلت أو سقطت في الحدائق. وأخلت الميازيب الحجرية التي تتخذ شكل التماثيل مكانها للأنابيب البلاستيكية التي وُضعت لتصريف مياه الأمطار. وكانت عملية إعادة التشكيل ضرورة، ولو أنه لم يكن واضحاً -كما ذكرت النيويورك تايمز- مَن هو الذي يمكن أن يدفع كلفتها. هذا هو مشروع التجديد الذي كان جارياً عندما بدأ الحريق، ويأمل المعماريون الآن في أن توفر مخططات المسح الضوئي الذي أجراه تاليون خريطة لمتابعة المسار، مهما تكن طبيعة عملية إعادة البناء التي سيتوجب إجراؤها.
توفي تالون في أواخر العام الماضي. كما أن معلمه، وهو رائد في استخدام التحاليل الجنائية للهندسة الحديثة في العمارة التاريخية، اسمه روبرت مارك، توفي في أوائل العام 2019. ويقول بورك: “كلاهما أحب هذه البناية. أنا سعيد لأنهما لم يضطرا إلى رؤية هذا”.
أما بالنسبة لما قد يحدث تالياً، فلا أحد يبدو متأكداً بعد. في بيان، أصر الرئيس ماكرون على أن الكاتدرائية سوف تُبنى من جديد. وحتى لو وجدت فرنسا المال لتفعل، فما الذي سيتطلبه القيام بذلك بالضبط؟ نسخة طبق الأصل، ربما باستخدام صور مسوحات تالون الضوئية؟ شيء آخر مختلف؟ يقول بورك: “لم يسبق وأن حدث شيء مثل هذا من قبل أبداً في حياتي، ولذلك ليس لدي نموذج لأعود إليه. القطع الفنية اليدوية الأصلية لا يمكن استبدالها ولا تعويضها. عندما تقوم بترميمها، فإنها لا تكون الشيء نفسه بالضبط. إنك تفقد المعلومات. إنك تستطيع أن تعرف في بعض الأحيان متى نُحِت حجر ما من نوع العلامات التي يتركها الإزميل والحَفر عليه. وتستطيع أن تخمن في بعض الأحيان نوع المحتوى الكيميائي لمونة البناء.
هذا الملمس وهذه التفاصيل -والمعرفة التي تستخلص من دراستها- هي الأشياء التي يمحوها الحريق. ولن يحتوي أي جدار جديد على أي من ذلك، حتى لو بدا بالضبط مثل ما كان عليه ذات مرة. ويتساءل بورك: “هل نقوم بتنظيفه ونجعله يبدو موحداً، أم نحاول أن نُبقي على الذاكرة؟ في كل مرة تكون لديهم كاتدرائية تحتاج إلى الترميم والعناية المُحِبّة، ينجُم السؤال: هل نجعل منها ديزني لاند، أم أن عليك أن تدعها تتحلل وتذوي؟ في هذه الحالة، إن شاء الله، سوف يتبقى للكاتدرائية بعض من هيكلها الأصلي، وسوف يعيدونها بأفضل شكل ممكن”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Notre Dame Fire and the Future of History