Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Apr-2019

الربيع العربي ممتد والجيش عنصر المفاجأة* حسين مجدوبي

 القدس العربي-تعتبر الثورة الجزائرية التي أطاحت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أروع حلقات الربيع العربي، منذ اندلاع الثورات من أجل الديمقراطية نهاية 2010 وبداية 2011، وتأتي لتؤكد أن الربيع العربي هو منعطف في تاريخ الشعوب العربية، التي سيقودها حتما الى إرساء الديمقراطية مستقبلا، لكن حتما كذلك بتضحيات جمة، ولعل الجديد فيها هو دور المؤسسة العسكرية.

وعمليا، نعيش المرحلة الثانية من الربيع العربي، وهي الاحتجاجات التي يشهدها عدد من الدول العربية من أجل الكرامة، وأساسا الجزائر التي نجحت في مسعاها بالتخلص من بوتفليقة وحاشيته. ويحاول الشعب السوداني التخلص من الرئيس عمر البشير، الذي وصل على دبابة الى السلطة، وساهم في إضعاف دولة كانت تعد استراتيجية للأمن الغذائي العربي، لكن انتهت إلى حروب أهلية وانفصال الجنوب. ومن المرتقب انتقال شرارة الربيع العربي الى الأنظمة الملكية، التي ستكون لا محالة مطالبة بإصلاحات حقيقية، وليس الإصلاحات السياسة البسيطة، مثلما حدث في المغرب والأردن سنة 2011 وشراء السلم الاجتماعي عبر استثمار أموال مباشرة في الشعب مثل، الرفع من الأجور كما حدث في السعودية والإمارات والبحرين. الشرعية الوحيدة التي ستساعد هذه الأنظمة الملكية على الاستمرار هي شرعية الديمقراطية، وتمر عبر إرساء «الملكية البرلمانية» مثل إسبانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا.
 
الشرعية الوحيدة التي ستساعد الأنظمة الملكية على الاستمرار هي شرعية الديمقراطية، وتمر عبر إرساء «الملكية البرلمانية»
 
ومبدأ الشرعية التاريخية الذي تقوم عليه بدأت صلاحيته تنتهي، لاسيما في ظل تحول بعض الأنظمة الملكية إلى عنوان للفساد المالي والإداري، وخروقات حقوق الإنسان والانبطاح للغرب. وما يجب الاحتفاظ به، وأشرنا إليه في مناسبات متعددة، هو عدم رؤية الربيع العربي من زاوية زمنية ضيقة، أي على ضوء سنوات، بل ضرورة رؤيته على ضوء جيل أو جيلين. ويعود هذا الى العامل الزمني غير القصير لإحداث التغييرات، في مجتمعات مازالت لم تنخرط في الحداثة السياسية وخرجت من قرون من التخلف الثقافي. ولعل التغيير البارز الذي ساهمت به الثورة الجزائرية هو موقف المؤسسة العسكرية التي انحازت الى الشعب، وهو تكرار لموقف المؤسسة العسكرية التونسية، التي لم تستجب للرئيس الفار زين العابدين بن علي، وهو تكرار لتجارب دولية أبرزها الثورة البرتغالية سنة 1974. ودور المؤسسة العسكرية سيكون حاسما في المستقبل، ومن رحمها سينبثق ضباط يؤمنون بالديمقراطية وضرورة الانحياز الى الشعب، ويعيش الجيش السوداني هذا المخاض في الوقت الراهن.
والعامل الزمني لا يقتصر فقط على العالم العربي، بل هو من مميزات الثورات التي تعتبر منعطفات عبر التاريخ، وفي مختلف الدول والمناطق. وتفيدنا كتب التاريخ كيف اندلعت الثورات الديمقراطية الكبرى في أوروبا سنة 1848، التي تعرف كذلك بـ»ربيع الشعوب»، ورغم عدم نجاحها في الإطاحة بالأنظمة التي كانت تميل إلى الديكتاتورية، فقد أجبرت، كما يؤكد المفكر المغربي الأمير هشام في ندوة له في جامعة دوك الأمريكية، منذ أسبوعين، في دفع الملكيات إلى الرهان على الإصلاح السياسي، الذي يعد المدخل للتغييرات التي حصلت ونقلت أوروبا إلى الديمقراطية، رغم الهزات التي وقعت بين الحين والآخر. ومن طرائف هذه الثورات هو دور التلغراف كأداة تواصل بين الناشطين السياسيين وقتها، وهو ما ساعد على انتقال التظاهرات من بلد إلى آخر في وقت وجيز أو التنسيق في التظاهر.
لقد لعب التلغراف دور الفضائيات وشبكات التواصل والفيسبوك في الربيع العربي، وباقي الانتفاضات في مناطق أخرى من العالم. وحدث السيناريو نفسه في منطقة أمريكا اللاتينية، لقد ناضلت شعوب المنطقة منذ القرن التاسع عشر، وبالضبط منذ الاستقلال عن إسبانيا في العشرينيات من ذلك القرن للانتقال الى الديمقراطية ـ وها هي الآن تعيش في ديمقراطية مقبولة لا تصل إلى مستوى نظيراتها الأوروبية، لكنها سائرة نحو متانة حقيقية رغم شبح الانقلابات والانتفاضات الاجتماعية العنيفة، ووصول رؤساء لا يؤمنون كثيرا بالديمقراطية مثل حالة الفنزويلي نيكولا مادورو، والبرازيلي جيربو لسانارو. مع النجاح النسبي للثورة المضادة في العالم العربي بقيادة الإمارات العربية والسعودية ووجدت منعطفها في مصر، اعتقد الكثير من المحللين في نهاية الربيع العربي، لكن لم يستحضروا دروس التاريخ.
وفي الحالة العربية هناك عاملان، التغيير الذي يحصل وسط المجتمع نتيجة قدوم جيل بعد جيل وبأفكار جديدة لا يرضى أن يكون في أسفل قائمة الحريات عالميا، ثم امتداد هذا الشعور والتفكير إلى باقي مؤسسات الدولة باكتساب وعي جديد، خاصة المؤسسة العسكرية نتيجة تأثرها بالمجتمع وانضمام عناصر جديدة لها. وتبقى الثورة الجزائرية خلال الأسابيع الأخيرة مثلا ساطعا، فقد تبنت المؤسسة العسكرية المواقف الحقة للشعب، وتبنى القضاء بدوره هذه المواقف.
المجتمعات غير جامدة، ودينامية المجتمعات العربية لن تتوقف عند أشخاص مثل عبد الفتاح السيسي في مصر أو محمد بن زايد في الإمارات أو محمد بن سلمان في السعودية أو كومبارس مثل حفتر في ليبيا. الربيع العربي ليس بالفعل المرتبط بلحظة زمنية واحدة، بل هو مسلسل طويل يتطلب فترات زمنية بين الأخذ والرد والجزر والمد، لكن سينتهي إلى نتيجة اسمها الديمقراطية مثلما انتهت إليها شعوب مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل حتى في آسيا وإفريقيا. نعم، لن تبقى المساحة الممتدة من المحيط إلى الخليج خارج التاريخ الديمقراطي وتحت رحمة حكام فاسدين.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»