Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Apr-2017

أمّ....الكواشين !! - م. باهر يعيش

 

الراي - كوشان طابو. كلمتان متلازمتان أصلهما تركي بمعنى شهادة ملكيّة عقار(سند تسجيل) يصدر عن دائرة مختصّة بحفظ سجلّات العقارات(دائرة الأراضي) (الطابو) يفيد ويشهد بملكيّة هذا العقار للواردة أسمائهم فيه كلّ حسب حصّته كما هو وارد على صفحة العقار في تلك السّجلات. كانت صفحة العقار و منقول ُعنها أوراق الكوشان تحكي تاريخًا، تطفح بأسماء من تعاقبوا على ملكيّته، أوّل مالك له منذ البدء بإيراده في السّجلات, ثمّ من تواردوا على ملكيته إرثًا هبةً شراءًا أو...سلبًا نزعًا غصبًا. إسمك أنت وأخواتك وإخوانك وأولاد أعمامك وعمّاتك إرثًا عن الأب و الأعمام والعمّات, وقبلهم الجد وأخوانه وأخواته إرثا عمّن سبقهم من ألجدود. كان الكوشان العتيد يروي حكاياهم, من مرّوا من قبضوا عليه حتى ارتخت قبضاتهم فتركوه باختيارهم أو هو المقدر والمكتوب ليقبض عليه من بعدهم من بقوا وسيرحلون، سنّة الحياة. أحيانا كانت تضيع حلقات من السلسلة أو يختلفون فيما بينهم فتجفّ شجرة العائلة تصبح عاقرًا لا تلد أفرعًا. تصبح مرتعًا للريح والعواصف و قطعان من قوارض الأرض لا ترحم تاريخا ولا جغرافيا.
 
كانت كواشين الأرض في زمن ما تروي صفحات من تاريخ عن عصور ولاةٍ وحكامٍ في اليوم في الشّهر والعام والقرن. تاريخ ليس فيه تزوير ولاكذب, فالأموات لا يكذبون(بعد رحيلهم)لا يملكون ذلك أصلا. كانوا يتونّسون بتاريخهم يفتخرون بالأصل والفصل والأنساب, يتعرّفون على أصولهم وفروعها, على أبناء عمومتهم وخؤولتهم من الجد الرابع أو الخامس. ربّما هو جار الباب, لا سلام لا كلام لا وئام, ربما يكونان من جدّ واحد ليس ببعيد، جمعهما كوشان قديم. قد يعيدون اكتشاف قرابتهم فيعودون بنعمة الكوشان أقارب من جديد, أو يسود بينهما النّزاع على تاريخٍ مضى وانقضى لِيُدقّ بينهم عِطرُ منشم..جدّتهم المصيبة الكبرى. نزاع لا يبقى ولا يذر فيضيعون وتضيع الأرض والكوشان.
 
نسل الكوشان، أحفاد الأحفاد في عصرنا كدأبنا و الممحاة في أيدينا, كانوا أكثر فطنة فصاحة و اقتصادا, بتروا الكوشان, أختصروا صفحاته الى واحدة. صغّروا مساحتها. قلّصوها بعد أن كانت بحجم تاريخٍ تتماهى بخطٍّ كوفيٍّ جميلٍ يزيّنها شعار السّلطان والدّعاء له بطول العمر. كبّروا تواقيعهم و أسماءهم وأختام دوائرهم فبات, الكوشان صاحبنا جدّنا وأبانا وكأنّ...قد مات. كواشيننا باتت تحمل أسماء من يطلبها(فقط)من يملك في وقت أصداره.لا ذكر لأخوة لا أخوات ولا شركاء, لا تاريخ لا جغرافيّة للبيت والحقل. بتّ لا تعرف من هم شركاؤك ومن توالوا رحلوا أو حلّوا بديلًا ليتمدّدوا على أسطره. الأموات ممنوع عليهم الحصول على واحد منها, هم باتوا لا يملكون حتّى المترين التي يرقدون فيها, هي مُنكرةٌ عليهم محسودون عليها. بعضنا لو قِيِّض له لكان تصدّق على أبيه, من ورّثه بمتٍر واحدٍ يكفينهُ ليرقد...واقفًا.
 
كوشاننا بات مقطوعًا من شجرةٍ لقيطًا لا أهل له ولا عزوة. مساحةٌ من أرضٍ مجهولة النّسب. من يدفع يرفع يحمل يمضي يرهن. بتنا نرمي الكنز في مكبّ نفايات. نبيع الأرض نستبدلها بمركبة أو جِوال مليءٍ بحواسيب بهواتف نقّالة تعجّ برسومٍ بكلماتٍ فارغة المضمون والمعنى. ضاعت همزات الوصل من أسطره فبات منقوصًا مسخا حليق الرّاس والشارب. كان عقارًا قصرًا ولو بحجم عشّ عصفورٍ يعجّ بالتاريخ بأسماء بأنفاس ساكنيه أب عن جد، فأضحى عشّةً فخشّةً فسرابًا بلا روح بلا أصل لا فصل و لا قيمة. كان جسدًا وروحًا وتاريخًا رفيقًا صديقًا لا يفارق الجيب, في الصّدر قريبًا من القلب, لا يكذب لا يخذل أهله,صديقًا صدوقًا في السرّاء والضرّاء وحين البأس والغدر وتّخلّي ذوي العشم. كان خير سكنٍ غطاءٍ سترٍ وعزوةٍ. كان مسقط الرّاس متّكأه, أصبح...كان, في خبر كان. أصبح حبرًا على ورقٍ. كانت أمّ الكواشين هي...(الأرض).ما زالت أمّ الكواشين...هي الأرض(فقط) لمن يحميها يصونها يحفظ جميلها يقبّل يديها....فترضى عنه وعليه.
 
mbyaish@gmail.com