Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jan-2019

الإصلاح والإفساد - د.هاشم غرايبة

 

الغد- بما أن القرآن الكریم أنزلھ الله للبشر لیظل مصدرا دائما للمعرفة، فلا شك أنھم واجدون فیھ في كل عصر ما ینفعھم، ولو كان فھم السلف الصالح وتفسیرھم كافیا لكل من جاء بعدھم، لما أمرنا الله بالتفكر في آیاتھ، ولما حثنا على دوام تلاوتھ والتأمل فیھا، ولاكتفینا بقراءة تفاسیر السلف الصالح، فھم لم یتركوا لمن خلفھم أمرا لم یفسروه. كل من یتلون القرآن بقصد الفھم، ولیس لتسجیل عدد التلاوات بھدف جمع الحسنات، یتبین لھم أنھ ما من مرة إلا وقد تحصل لھم فھم أبعد من المرة السابق، وكلما ازدادوا علما، فتح الله علیھم بابا آخر من أبواب علمھ.
ُ لذلك من واجب طالب العلم من الله، وبعد أن یلِ َّم بعلوم من سبقھ، أن یدیم التأمل والبحث في آیات
القرآن ذاتھا.
المتأمل بتعمق في ھذه الآیة ستستوقفھ عدة أمور لم ترد في تفسیرات الأقدمین، لیس جھلا منھم،
بل لأن المعارف البشریة آنذاك لم تكن بالقدر الذي ھي علیھ الیوم.
لا یتسع المقال لعرضھا جمیعا، لذلك سأبدأ بأولھا وھو: ماذا یعني إصلاح الأرض في الشق المادي، على أن استكملھا في مقالات لاحقة بمشیئة الله.
لقد توصل العلم البشري الى أن مواصفات الكرة الأرضیة مثالیة للإنسان ولكافة الكائنات الحیة، وھو أمر لم یجده في كل الكواكب الأخرى التي تمكن من معرفة طبیعتھا، مما یدل على أن الأرض قد ھیأھا الله على وجھ التخصیص، بأن جعلھا مكانا صالحا لسكنى البشر، لذلك فقد أصلح الله الأرض لھذا الغرض:
1 – ضبط الطبیعة بدقة، وأي إخلال بھذه التوازنات البیئیة یفسدھا، ومنھا:
أ - انھ زودھا بنظام یضبط توازنات الغازات في جوھا بنسب ثابتة، لذلك فعدم ضبط انبعاثات ثاني أوكسید الكربون بفعل المصانع والسیارات والآلات، یخل بھذا التوازن، فھذا إفساد بعد الإصلاح.
ب ٍ -حمى الأرض من الإشعاعات الكونیة الضارة بحزام واق ھو غلاف الأوزون، لذلك فانتاج الغازات الضارة بھ مثل غازات الفلوروكلور وكربون والمیثان، ھو إفساد للأرض بعد إصلاحھا.
ت ّ -نظ ُ م الغطاء النباتي بحیث یبقي توازنا بیئیا للنباتات ولمكونات الھواء وللرطوبة الجویة، ویحفظ التربة ویمنع التصحر، لذلك فحرق الغابات بھدف الحصول على أراض زراعیة ھو إفساد بعد صلاح.
ث -استعمال المبیدات السامة للتخلص من ضرر الحشرات على الثمار، یؤدي الى تلوث كیمیائيُ للبیئة، وی ُّخل بالتوازن الدقیق للكائنات الحیة، مما یؤدي الى نتائج وخیمة لا یمكن للإنسان تداركھا.
ج - تكوین التربة السطحیة مضبوط لتلبیة احتیاجات كل الكائنات الحیة، فرمي الأنقاض والمھملات وفضلات المصانع الكیماویة والمنتجات البلاستیكیة، تخریب لتركیب التربة، ویلحق ضررا كبیرا في الغطاء النباتي.
2 – توازن المكونات الحیویة:
فقد جعل الخالق ھنالك نسبة ثابتة لكل الكائنات الحیة، فالنباتات تكفي لاستھلاك البشر والحیوانات آكلة العشب، وھذه تكفي حاجة الإنسان والحیوانات آكلة اللحوم، وھذه تبقى بنسبة ثابتة بعد افتراس بعضھا بعضاً، ونفوق البعض، وعندما تنفق تتحلل الى المكونات الأولیة بفضل الكائنات الدقیقة ویمتصھا النبات من جدید، إخلال الإنسان بھذه السلسلة المغلقة، ویعني إفسادا لما كان صالحا یؤدي مھمتھ بدقة.
ومما یضبط ھذه النسبة أن للنبات أو الحیوان منھا وسیلة تكاثر محسوبة، ومدة حمل أو فقس بیوض محددة، وعدد موالید الأنثى أو بیوضھا، وعمر حیاتھا، كل ذلك محدود، فلو أخذنا مثلا الخروف والكلب، فولادات الكلاب تحدث أكثر من مرة في السنة، وعدد جراء الكلبة الواحدة في العام من 4 – 10 ، وتعیش في كنف الإنسان الذي یحمیھا من الإفتراس، بینما الشاة تلد مرة واحدة في العام خروفا أو اثنین في العام، ومع أن البشر یتغذى على الأغنام وینتفع بكل أجزاء جسمھا، إلا أن عددھا أكثر بمئات الأضعاف من الكلاب، والسبب یعود الى ان الله قد ألھم الإنسان تربیتھا وتكثیرھا.
ھكذا نتوصل إلى أن الأرض قد ذللھا الله تكوینا وطبیعة ومناخا ومستودعا لاحتیاجات الإنسان.
وھذا الفعل الجلیل النافع ھو الإصلاح، فلا یجدر بالإنسان إفساده، بل المحافظة على ثماره لتستدیم منفعة الأجیال المتعاقبة.
ما سبق كان بعض معاني إصلاح الأرض من المنظور المادي، وتالیا بعض المعاني من المنظور البشري.
إن من مقاصد لفظة (الأرض) من یعمرھا من سكانھا، فأول إصلاح للأرض بعد أن ھیأھا الله [لذا فعمارة ُ لسكنى الإنسان ھو إعمارھا: “ ھَوأ الأرض ھي من المھمات البشریة الأساسیة التي أوكلھا الله إلیھم وكلفھم بأدائھا على أفضل وجھ. إن العمران مرتبط دائما بالتقدم الحضاري، لذا فمن البدیھي أن نفھم أن العمارة لا تتوقف عند التشیید والبناء، بل الإدامة والصیانة والعنایة والتطویر الى الأفضل، وقد أمد الله الإنسان بالموارد اللازمة لكل ذلك، بدءا من كھوف منحوتة ذاتیا لیأوي إلیھا قبل أن یكتشف مواد الإنشاء، والتي وفرھا الله لھ في كافة أرجاء الأرض، وألھمھ مباديء المعرفة الأساسیة (الفطرة)، ومنحھ العقل الذي بھ یتعلم بالتجریب، وفتح علیھ من أبواب العلم لكي ی ِراكم معارفھ وخبراتھ.
ولما كان من أسس الطبیعة البشریة اختلاف القدرات والإمكانات، والتي كانت دافعا فطریا للتعارف بینھم، بھدف تبادل الخبرات والتجارب، لكن لحكمة بالغة فقد جعل الله لتلك الأسس  نقائص، وھي نواتج سلبیة بسبب الأنانیة والطمع، وأنزل الدین لیقوم الإعوجاجات والإنحرافات كما أن من أھم شروط العمران استتباب الأمن وإشاعة العدل بین الناس، لكن ذوي الأطماع معاییرھم مزدوجة، فیسلبون الضعیف مالھ ویغمطونھ حقھ، فتضیع العدالة ویخیم الظلم والجور، فبدلا من أن یعم الوئام ویسود التعاون بین الناس، یحل مكانھ الحقد والضغینة، لیتولد الإنتقا والإجرام، ویضیع الأمن، فینشغل الناس بالحفاظ على حیاتھم ومالھم بدل البناء والإنتاج... وھذا ھو إفساد الحیاة في الأرض بعد أن جعلھا الله صالحة نافعة.
نستنتج أن الإصلاح ھو ما ھیأه الله في الأرض للإنسان لتغطیة كافة احتیاجاتھ ومتطلبات عیشھ
الكریم، وتذلیل كل تلك العوامل لخدمة مصالحھ، وكافیة لكل البشر ولكل العصور والأزمان، لكن الطمع والظلم والرغبة في الإستئثار التي وسمت كل من تنكب ھدى الله واتبع ھواه، ھي التي انتجت النزاعات وولدت الحروب، وما نجم عنھا من قتل وتدمیر.
 لیبین لنا كیف أن أطماع أساطین الصناعات، الذین ھمھم تقلیل الكلف، لجني أكبركمیة من الأرباح، أفسدوا التوازنات البیئیة التي أوجدھا الله، فلوثوا البحار بفضلات كیمیائیة، وأحدثوا ثقبا في طبقة الأوزون الحامیة بمنتجات ضارة، وزادوا نسبة
التلوث في الھواء مما أدى الى الإحتباس الحراري وتغیرات مناخیة ضارة.
لو تفحصنا طبیعة ھذه الفئة من البشر، لوجدناھم ممن وصفھم رب العزة بالمترفین، وتسمیتھم المعاصرة (أرباب الفساد)، وھم لا یشكلون أكثر من 1 % من البشر، لكن ثرواتھم تبلغ 99% مما یملكھ كل البشر، رغم ذلك تجدھم في أشد الشره لجمع المزید من المال والنفوذ.
لقد ورد ذكر ھؤلاء في كتاب الله في ثماني آیات منھ، ولا نجد ذكرھم في أي موضع إلا مقترنا ُ بالذم والتوعد بالعذاب، فما منھم إلا من كان معرِ ضاً عن ذكر الله أو منكراً لوجوده أو محارباً
 نستخلص مما سبق مدى تھافت حجة من ی ِص ُمون الدین بالإرھاب، فا ھو الذي أوجد الصلاح المطلق، وشرع ُھ ُ حدد معاییره، لكن أطماع الطامعین ھي المفسدة، فالدین لا یأمر إلا بمعروف ولا ینھى إلا عن منكر، وقد تستجیب نفوس البشر بدرجات متفاوتة، لكن من تعذر إصلاحھم لیس بسبب قصور المنھج أوعجزه، بل لأن دوافع الفساد لدیھم (الأنانیة والطمع) غالبة على نفوسھم، فتطغى لدیھم طبیعة المترفین، فنفسیتھم (برجوازیة)، حتى ولو لم یكونوا أثریاء