أمة الوسط والشهادة - د. محمد المجالي
الغد- لعل واقع الأمة المؤلم والعالم المتناقض یلقي بظلالھ علینا لنتذكر مسؤولیاتنا، فھذه الأمة أمة
الوسط والشھادة على الأمم، وخیر أمة أخرجت للناس، أرادھا الله كذلك بمسؤولیات عظیمة، لأنھا خاتم الأمم ونبیھا خاتم الأنبیاء، وكتابھا آخر الكتب، وتجتمع –عادة- في الآخر مواصفات لیست في غیره، ونضیف بأن رسالة الإسلام عامة للناس كافة، بینما الرسالات الأخرى قبلھا كانت مقیدة بأقوام محددین وأزمنة محددة، وھا ھو الإسلام العظیم حي رغم الحملات علیھ، وھو أسرع دین في الانتشار، أراد المسلمون ذلك أم لم یریدوا، فھي إرادة الله تعالى، وھو سره في ھذا الدین وكتابھ العظیم، الذي أعجز الناس جمیعا عربیھم وعجمیھم.
ومن ھنا فینبغي أن نؤكد على جملة من الأمور أھمھا ضرورة الثقة بالنفس، والصبر، والعمل مع الأمل، والرحمة على العالمین، وحسن التخطیط والتوكل على الله تعالى.
فالثقة بالنفس منبعھا ھذا الإیمان با تعالى، فمن كان مع الله كان الله معھ، وعندھا نحتاج الصدق والإخلاص، فلا یمكن أن یؤید الله عبدا مخلا بھما، وھنا تكون العبودیة الحقة تعالى، وحین یستشعر العبد معیة الله فھي ثقة عالیة ینطلق من خلالھا في الأرض كلھا، فھو صاحب رسالة راقیة وھمة عالیة، ویعلم أن كل ما یلقاه في طریقھ مأجور علیھ، لأنھ دین الله تعالى ورسالة الخیر للبشریة كلھا، ھمة عالیة، وتفكیر راق. وھذه الثقة بالنفس تجعلني منطلقا دائما، لا یفتر لي عزم ولا تلین لي قناة، وأعلم أن إرادة الله نافذة، وأنني من قدر الله في إعزاز ھذا الدین، ولي موقع مھم فیھ، لا أتخاذل ولا أتظاھر ولا أبخس نفسي، ولا أزھد في غیر موضع الزھد ولا أبغي شیئا غیر رضوان الله تعالى.
والصبر نصف الإیمان، فھو صبر وشكر، صبر على الضراء وشكر على السراء، وھذه الحیاة بحاجة إلى الصبر بأنواعھ، صبر على الطاعة، وعن المعاصي، وفي المصائب والابتلاء، ومن ھنا كانت أحد شروط النجاة من الخسران كما وصفت سورة العصر، وحتى یكون الصبر لا بد من الیقین با تعالى، إیمانا ومعرفة، إیمانا بھ وأنھ على كل شيء قدیر، وأنھ لا یتم شيء في ھذه الحیاة إلا بعلمھ وإرادتھ وفق حكمتھ، فلا نضجر ولا نیأس، فا تعالى یبتلي عباده لیمیز الخبیث من الطیب، ولیعلم المؤمن من المنافق، علم مشاھدة یقیم بھ الحجة، وإلا فا یعلم كل شيء سبحانھ. وحین یصل العبد إلى درجة من الیقین با تعالى یكون كل شيء في ھذا الكون واضحا فیما أراده الله تعالى، ویعلم العبد كیف السبیل إلى عزة ھذا الدین وفق منھج الله تعالى، كما بین القرآن العظیم، وكما ھي سیرتھ صلى الله علیھ وسلم.
ومع ھذا ندرك أنھ لا بد من الأمل، ومع ھذا الأمل لا بد من عمل، فلا نكتفي بالآمال ونترك الأعمال، فالأخذ بالأسباب یقتضي العمل، وھذا الفرق بین التواكل والتوكل، فندرك أن ھذا الدین منتصر، وأنھ سیبلغ ما بلغ اللیل والنھار، ولكن لا بد من عمل من أجل ھذه الآمال والمبشرات، عمل واع مخطط، وھكذا كان رسول الله صلى الله علیھ وسلم، فقد خطط لھذا الدین، منذ أن كان دعوة سریة، وكیف اختار مكان التجمع فیما بعد في دار الأرقم، وكیف كان الحد المسموح بھ حتى مع الجھر بالدعوة، وكذا الھجرة بأحداثھا كلھا، وكذلك غزواتھ صلى الله علیھ وسلم، فكان التخطیط وحسن العمل، مع حسن التوكل على الله والرجاء فیھ سبحانھ، وصدق الله تعالى: ”ذلك ولو یشاء الله لانتصر منھم ولكن لیبلو بعضكم ببعض“، فھذا الدین لا ینتصر إلا بجھد أبنائھ، فحین یأخذون بالأسباب تأتیھم المكرمات من الله تعالى، فالمھم ھو الانطلاق الواعي، لا التخبط والعشوائیة وردود الأفعال.
أما الرحمة فھي رسالة ھذا الدین العظیم، فالنبي صلى الله علیھ وسلم أرسلھ الله رحمة للعالمین:
”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمین“، والقرآن رحمة، ابتدأ بالرحمة، فلم یختر الله تعالى من أسمائھ
في بدایة القرآن، وبدایة كل سورة إلا الرحمة، وفي ھذا ما فیھ لیدركھ أتباع ھذا الدین ابتداء أن
رسالة الإسلام ھي رحمة، وأن أحكامھ رحمة، ولو بدت بعض ھذه الأحكام والتشریعات أنھا قاسیة، فھي في النھایة على مستوى الفرد والمجتمع والأمة رحمة، رحمة تنقل الناس إلى رقي العلاقة با تعالى، وأن یرحم بعضھم بعضا، حتى غیر المسلم فالرحمة في حقھ أن تشفق علیھ وتدعوه وتحسن إلیھ، فدینك یأمرك أن تبره وتقسط في حقھ، فلا عدوان في دیننا إلا على الظالمین.
وعودة إلى حسن التخطیط، فھذا الدین یرید أتباعا عاملین مدركین لطبیعتھ، وما أساء إلى الدین
ٌ أحد ّ أكثر من أبنائھ، حین جھلوه وطبقوه على غیر ما یحب الله تعالى، ولقد شوه بعض المسلمین
ّ ھذا الدین كثیرا، وحملوه ما لا یحتمل، جھلا منھم أو قصدا، وسنن الله تعالى لا تحابي أحدا، فلا
بد من سلوك المنھج الصحیح وفق كتاب الله وسنة رسولھ صلى الله علیھ وسلم، ولن تنفعنا عواطف ولا آھات ولا صراخ وعویل ولا مجرد الدعاء، ولا بد أن ننتقل من التنظیر إلى حتى قراءتنا للقرآن ینبغي أن تنتقل من ھدف البركة إلى الحركة، ومن التقوقع إلى الانتشار، ومن التخندق إلى الانفتاح، فكل ما في دیننا یبعث على الثقة والخیر للبشریة كلھا.