Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2018

دكتاتورية دولة القانون قبل الديمقراطية - د. هزاع عبد العزيز المجالي

 الراي - يمكننا القول أن كلمة دكتاتورية في التاريخ السياسي للدول اطلقت على الأنظمة المستبدة التي يحكمها شخص واحد وفقاً لمنظومة هرمية يتبع فيها الجميع لرأس الهرم (حكم الفرد)، أما الديمقراطية، فهي تعبير عن المرحلة اللاحقة للثورات التي شهدتها أوروبا ضد الحكم المطلق والتي هي باختصار تعبير عن (حكم الشعب) من خلال عقد إجتماعي يستند إلى سيادة القانون المطلقة القائمة على (المواطنة)، ويخطئ من يعتقد أن تطبيق دولة القانون لا تحتاج الى ديكتاتورية في التطبيق، بمعني الإلزام والجزاء عند مخالفة قواعدها، ويخطئ ايضاً من كان يعتقد أن للديمقراطية شكل او محتوى محدد، والصحيح أن لها مبادئ محددة تستند الى العدالة والمساواة ، والمعيار الجوهري الوحيد لصحتها أنها دولة (العدالة في التطبيق)، بدليل أن الديمقراطيات في الدول المتقدمة ليست متشابهة، فكلاً منها أنتهج شكلاً لنظامه الديمقراطي بما يتوافق وموروثه الإجتماعي والإقتصادي والسياسي ، لذلك نجد أن هناك نظاماً نيابياً ونظاماً رئاسياً ونظاما مختلطا نيابيا ملكياً دستوريا وهكذا دواليك.

إننا لو بحثنا في بدايات نشأة تاريخ أغلب الأنظمة الديمقراطية الغربية في لوجدنا أنها جميعاً لجأت إلى الإلزام في تطبيق قوانينها بما مايسمى (ديكتاتورية القانون) ، أي أنها ألزمت شعوبها بمبادئ (الثواب والعقاب) دون شطط أو تعسف بل بالعدالة والمساواة لحين أن اعتاد الناس على ذلك واصبح القانون مع مرور الوقت وتوالي الأجيال جزءا لا يتجزأ من ثقافتهم وحياتهم اليومية. لقد سعت الدول العربية لتطبيق مفاهيم الأنظمة الديمقراطية في عالمنا العربي ولكننا في واقع الحال زرعنا بذوراً لم تنتج اغصاناً ولا وروداُ، لأنها لم تجد البيئة المناسبة لنموها ، ليس لأننا كما يدعي البعض شعوباً متخلفة ، بل لأن الديمقراطيات العربية ليست نتاجاً لتطور المبادىء والقيم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لمجتمعاتنا، فكان الأصل أن ننتج ديمقراطيتنا استناداً لموروثنا الخاص، كما فعلوا هم أنفسهم ، وهنا لا بد من التأكيد أيضاً أن من الأسباب التي أدت الى فشل هذا التطبيق هو حرصنا وتمسكنا بالمفاهيم والتقاليد الإجتماعية التي تخلى عنها الغرب في عصور الاستبداد ، مثل قدسية الحكم والعصبية القبلية والعرقية والمحاصصة، والصراعات للسيطرة والنفوذ فألبسناها ثوب الديمقراطية فاصبحنا كحال الغراب الذي اراد تقليد مشية الطاووس فلم يستطع ذلك ، وعندما قرر أن يعود لمشيته الأصلية نسيها ، فنحن ندور في حلقة مفرغة وصراع طويل الأمد باحثين عن مشيتنا الأصلية التي نسينها. إنني أجزم اذا ما أردنا تطبيق مفهوم الديمقراطية الصحيحة، فإننا نحتاج الى عمل طويل وجاد فما نراه ما هو إلا قشوراً لمظاهر للديمقراطية نتزين بها ، وحتى لا يفهم كلامي بغير مقصده، فإنني لست من الأناس الذين لديهم عقدة الذنب من الغرب، ولست أيضاً من المتشائمين الذين يحبون النقد والإعتراض لإثبات الوجود بل لدي ايمان و تفاؤل بقدرتنا في هذا البلد الطيب على المضي والبناء على ما تحقق، فلدينا كل المقومات التي تساعدنا على ذلك، فنملك نظاما ملكياً دستورياً على رأسه ملك متحضر ومثقف متسامح يحظى باحترام العالم ، لديه الرغبة الدائمة للإصلاح والتغيير، ولدينا تجربة و موروث لا بأس به من الديمقراطية يمتد لعشرات السنين، و مؤسسات دولة عريقة ومجتمع متعلم ومثقف، فيمكن لنا أن تكون دولة نموذجية في الشرق الأوسط والوطن العربي.
نعترف أن لدينا معوقات ومشاكل إقتصادية تُكبل أيدينا، ولكن لا بد لنا أن نستغل مرحلة الإستقرار الإقليمي للإنطلاق من جديد ، لا سيما أنه أصبح لدينا ولأول مرة منذ سنوات طويلة حكومة جادة في تطبيق الإصلاح ، تحارب كل الآفات التي تفتك بمجتمعنا مثل: الفساد والفكر المتطرف والمخدرات والإعتداء على المال العام. فالمطلوب إذن أن نتكاتف وأن نكتفي من جلد أنفسنا و نزرع الثقة بدل التشاؤم والتشكيك، وأن نقف صفاً واحداً وان تكون أول أولويات الحكومة المضي بنا نحو (ديكتاتورية دولة القانون) التي تقودنا الى نهضة فكرية تصل بنا الى الديمقراطية الصحيحة التي نسعى اليها.