Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Nov-2017

حدود العلم والمعرفة - د. عميش يوسف عميش

 الراي - عبر عصور حضارات الأمم كانت المعرفة والاطلاع والادراك للأحداث والتطورات المختلفة موضع استفهام وعلى رأسها العلوم. اي كيف وما هي بدايتها ونهايتها ولكن الاهم حدودها. والاستفهام كان بمضمونه:

 

هل للعلوم والمعرفة حدود. قراءتي لكتاب (حدود العلم) – ومؤلفة العالم اللبناني الاصل (السير بيتر
مدور) طباعة (مطبعة جامعة اوكسفورد) (1984 .(وللأسف نحن العرب نسينا هذا العالم وابحاثه وانجازاته وكتاباته كغيره من علمائنا وادبائنا في المهجر.
 
يقول في المقدمة: «لقد تساءلت دوماً حول سؤال واحد خلق في نفسي الحيرة» وهو: «هل هناك حدود للعلم والمعرفة» «انني عالم واعشق العلم وهدفي من تأليف هذا الكتاب هو تبرئة العلم من كل ما ينسب اليه ويتعرض له من لوم حينما لا يستطيع العلم ان يجيب على كل او معظم تساؤلاتنا الكثيرة والمهمة والتي ارددها في كتاباتي» « تلك التساؤلات تدل على انها وراء القدرة التي يمكن للعلم ان يجد تفسيرات لها». «ولكن رغم الهبوط والفشل للعثور على التفسيرات فان العلم كان وسيظل شيئاً عظيماً».
 
يعتقد بيتر مدور ان ما قام به هو الاطلاع الثاقب على قاموس (Oxford (الذي يعطي تعريفاً لكلمات باللغة الانجليزية عددها (10 (اولها (Sienz (واخرها (Syense – (لتكون تعريفاً ملائماً لكلمة (العلم) فوجد ان الكلمة الاقرب والاصح هي (Scientia (والكلمات العشر الاخرى في القاموس سقطت ولم تستعمل.
 
اما اختياره كلمة (Scientia (فذلك لاعتقاده انها تعني كلمة العلم والمعرفة المنضبطة. اما تاريخ حياة مدور فقد ولد في البرازيل عام (1915/1/18 (من اب عربي لبناني هاجر من بلدة بكفيا في جبل لبنان وتزوج فتاة بريطانية. ثم انتقل مع والديه الى انجلترا وانهى دراسته الثانوية في كلية (ماجدالين) في اكسفورد حيث حصل على منحة للدراسة في جامعة اكسفورد 1935 من قبل مؤسسة (كرنستوفر ويلش) بسبب تفوقه.
 
وهناك بدأ ابحاثه العلمية بدعم من مؤسسة (سينيورديمي شب) وبعد ثلاث سنوات من الدراسة والجهد الكبير حصل على جائزة (ادوارد شايمان للبحوث) وعلى لقب زميل لنجاحه في بحوثه في مجال (المواد العضوية وتحولاتها داخل اعضاء الحيوانات). وعام 1944 حصل على مرتبة استاذ مساعد في اختصاص (علوم الحيوان) في (كلية سانتب جون) – جامعة اكسفورد. عمل مدور في البحوث مع العالم الاسترالي (هوارد فلوري) وكذلك العالم الالماني (ارنست تشيين) ادت لاكتشاف البنسلين ونال الثلاثة علماء جائزة نوبل عام 1945 .ثم اصبح استاذاً في علوم (التشريح الحيواني) – جامعة لندن والمهم ان مدور استطاع توضيح خفايا التفاعلات المتعلقة بالمناعة وذلك بواسطة زراعة انسجة واعضاء الحيوانات.
 
كما اكتشف عملية رفض جسم الحيوان لأنسجة من حيوان اخر على انها «ظاهرة من ظواهر المناعة» لان اجسام الحيوانات تحمل خلايا (مضادات مناعية) والتي يكونها جسم الحيوان. وعام 1951 جاءت لدى مدور فكرة استخدام عقارات تكبح المناعة. فقام باستخدام عقار الكورتيزون لكن النتائج لم تكن ناجحة.
 
وعام 1959 استخدم عقار جديد (الازاثيوبرين) ضد المناعة – وكان من اكتشفه العالمان (رومي كالن) و(جين ميوري) عام 1959– واثبت العقار الجديد قدره عالية في مجال المناعة وقد كرم من قبل الملكة اليزابيث بمنحه لقب (سير) عام 1960 .وعام 1962 اسند لمدور منصب المدير العام للمؤسسة الوطنية البريطانية للبحوث الطبية وتعتبر من اهم المؤسسات البحثية البريطانية. توفي مدور عام 1987 وترك وراءه مجموعة كبيرة من الكتب والمؤلفات المهمة مثل: كتب «الشخص الغريب» و»مستقبل الانسان» و» نصيحة الى عالم فتي» و»القاموس الفلسفي لعلم الاحياء».
 
كانت فلسفة مدور ايمانه بان عالم البيولوجي – (الاحياء) لا بد ان يكون عالماً في: الجينات وعلم الانسان (الأنثروبولوجيا)، والاحصاء والتاريخ وعلم النفس والمجتمع. وقد كافح هذا العالم العربي الاصل في بحوثه المهمة في غير وطنه لكن كانت امامه حقيقة كبيرة وثابتة وهي (ان العلم لا حدود له) – اصلاً وجغرافياً وتاريخياً ولكنه يتجدد باستمرار وعلى العالم ان يعلم الاجيال الجديدة ذلك كي تستمر في البحث عن العلم كما فعل هو. وان الرسالة الموجهة للأجيال الجديدة هي ان العلم للإنسانية كلها – لسعادتها وخيرها وامنها. وان العلم لا بد ان يتصف دوماً بطابعه الانساني، والعقلانية في التعامل والاستخدام، واخيراً بالأخلاقيات والآداب المهنية.
 
هذه كلها ليست شروطاً لكنها اسس مهمة لتحقيق اهداف وغايات العلم الذي امن بيتر مدور (ان ليس له حدود). اتمنى ان تقوم الامة العربية بتخليد هؤلاء العلماء والادباء والشعراء الذين اثروا الحضارة الغربية.