Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Mar-2021

قراءة‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬قصائد‭ ‬قصيرة‭ ‬لعلي‭ ‬جعفر‭ ‬العلاق

 القدس العربي-عصام شرتح

‭ ‬يعد‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬جعفر‭ ‬العلاق‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الحداثة‭ ‬المؤثرين،‭ ‬الذين‭ ‬أفادوا‭ ‬من‭ ‬لغتهم،‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬منظورهم‭ ‬للغة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أداء‭ ‬شعري‭ ‬يتميز‭ ‬بالنضارة‭ ‬والحيوية‭. ‬ووفق‭ ‬هذا‭ ‬التصور،‭ ‬فقد‭ ‬أغنى‭ ‬الشاعر‭ ‬قصائده‭ ‬بإيحاءات‭ ‬جمالية‭ ‬تؤكد‭ ‬حداثتها‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الجمالي‭ ‬وبنيتها‭ ‬النصية،‭ ‬فهو‭ ‬يعزف‭ ‬إيقاعاته‭ ‬الشعرية‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬مبرأة‭ ‬من‭ ‬الزوائد،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬ليلٌ‭ ‬يماني‭ :‬
 
خـديجةُ‭ ‬لم‭ ‬تُشرقْ‭ ‬على‭ ‬البئرِ‭ ..‬
 
لم‭ ‬تَعُـدْ‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬يوماً‭ ..‬
 
شموسٌ‭ ‬بعيدةٌ‭ ..‬
 
وليلٌ‭ ‬يمانيٌّ‭ ‬يضيءُ
 
ليجرحـا‭ ..‬
 
نحن،‭ ‬هنا،‭ ‬أمام‭ ‬أناقة‭ ‬لغوية‭ ‬طازجة،‭ ‬أشبه‭ ‬بغصن‭ ‬زيتون‭ ‬طري،‭ ‬أو‭ ‬شمس‭ ‬ندية‭ ‬بعبير‭ ‬الأنوثة‭ ‬وبكارتها‭ (‬خديجة‭ ‬لم‭ ‬تشرق‭ ‬على‭ ‬البئر‭). ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إشراق‭ ‬خديجة‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬إشراق‭ ‬الأنثى‭ ‬البتول،‭ ‬التي‭ ‬تختزن‭ ‬كل‭ ‬شموس‭ ‬الكون‭ ‬في‭ ‬إطلالتها‭ ‬وليلها‭ ‬اليماني‭ ‬المضيء،‭ ‬هي‭ ‬الأنثى‭ ‬الخالقة‭ ‬بتجلياتها‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬ماء‭ ‬البئر‭ ‬المشرق‭ ‬بإشعاعاته‭ ‬الندية‭ ‬البراقة،‭ ‬والقارئ‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬تشكيل‭ ‬بليغ‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬الدلالات‭ ‬العميقة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أمام‭ ‬أنثى‭ ‬تهطل‭ ‬على‭ ‬الكون‭ ‬بفيوضها‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬الماء‭ ‬الزلال‭.‬
 
والواقع‭ ‬أن‭ ‬حيوية‭ ‬اللغة‭ ‬وشعريتها‭ ‬لا‭ ‬تنبثق‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الصور،‭ ‬وحيز‭ ‬الدلالات‭ ‬الرهيفة‭ ‬فقط،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللقطات‭ ‬التصويرية،‭ ‬التي‭ ‬تشرق‭ ‬وتسمو‭ ‬وترتقي‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬وهندستها‭ ‬التشكيلية،‭ ‬وكأن‭ ‬الشاعر‭ ‬يخلق،‭ ‬عبر‭ ‬إيقاعية‭ ‬الكلمة‭ ‬ودلالاتها،‭ ‬سحر‭ ‬التناغم‭ ‬اللغوي‭ ‬والانسجام‭ ‬التقفوي،‭ ‬ما‭ ‬يدلل‭ ‬على‭ ‬أناقة‭ ‬لغوية‭ ‬ترفع‭ ‬درجة‭ ‬الحساسية‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الشعري،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قوله‭:‬
 
ونحن
 
يتامـاها‭ ‬الرعـاةُ‭ ..‬
 
ونحـنُ‭ ‬من‭ ‬يُطيـحُ‭ ‬بهـم‭ ‬مـاضٍ
 
وتمضغُـهم‭ ‬رحـى‭..‬
 
يضعنا‭ ‬الشاعر‭ ‬هنا‭ ‬أمام‭ ‬ترف‭ ‬الرؤية‭ ‬وإيقاعاتها‭ ‬التشكيلية،‭ ‬ليخلق‭ ‬مزاوجة‭ ‬جمالية‭ ‬بين‭ ‬قوله‭: (‬رحى‭= ‬ليجرحا‭) ‬ليكون‭ ‬النص‭ ‬كتلة‭ ‬تفاعلية‭ ‬معززة‭ ‬بالوعي‭ ‬الفني‭ ‬المحكم،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬قيمة‭ ‬جمالية‭ ‬مكتسبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوعي‭ ‬التشكيلي،‭ ‬يحلق‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الشاعر‭ ‬إلى‭ ‬شعرية‭ ‬لغوية،‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬للقارئ‭ ‬بديهية،‭ ‬أو‭ ‬روتينية‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬تتضمن‭ ‬قيمة‭ ‬شعريةعالية‭: (‬ونحن‭ ‬من‭ ‬يطيح‭ ‬بهم‭ ‬ماضٍ‭// ‬وتمضغهم‭ ‬رحى‭)‬،‭ ‬فاللذة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬قوله‭: (‬يطيح‭ ‬بهم‭ ‬ماضٍ‭) ‬ليست‭ ‬سهلة‭ ‬المنال‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬فنية‭ ‬الشعر‭ ‬ولعبة‭ ‬اللغة،‭ ‬في‭ ‬أناقة‭ ‬التشكيل‭ ‬وحساسيته‭ ‬الجمالية،‭ ‬ليأتي‭ ‬قوله‭ (‬وتمضغهم‭ ‬رحى‭) ‬متناسباً‭ ‬مع‭ ‬قوله‭ ‬الشعري‭ ‬السابق‭: (‬وليل‭ ‬يماني‭ ‬يضيء‭.. ‬ليجرحا‭). ‬وهكذا‭ ‬يتحقيق‭ ‬التناسب‭ ‬الإيقاعي‭ ‬الهادئ‭ ‬بلغته‭ ‬الرصينة‭ ‬التي‭ ‬تخفي‭ ‬دهشة‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬الإسناد‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ودهشة‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوليف‭ ‬الفني‭ ‬المتدفق‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬قمة‭ ‬الاستثارة‭ ‬والإمتاع‭. ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أناقة‭ ‬اللغة‭ ‬عند‭ ‬العلاق‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬رصانة‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬وهدوئها‭ ‬الذي‭ ‬يبعث‭ ‬اللذة‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬المتلقي‭.‬
 
٭‭ ‬٭‭ ‬٭‭ ‬
 
والمثير‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الشعر‭ ‬عند‭ ‬العلاق،‭ ‬صياغة‭ ‬الأسئلة‭ ‬التأملية‭ ‬التي‭ ‬توسع‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬القصيدة‭ ‬بجدة‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬ودلالات،‭ ‬وما‭ ‬تفتحه‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬استقطاب‭ ‬للمعاني‭ ‬المدهشة‭. ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬‮«‬طفولة‭ ‬عابثة‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭:‬
 
أيّ‭ ‬طفلينِ‭ ‬عابثَـينِ‭ ..‬
 
ملأنا‭ ‬بالندى‭ ‬كلّ‭ ‬حفرةٍ
 
وانطلقنا‭ ‬في‭ ‬حقولِ‭ ‬الشّـمّامِ‭:‬
 
نلحق‭ ‬شـمساً‭ ‬ما‭ ‬تزالُ‭ ‬طريةً
 
ثم‭ ‬نرمي‭ ‬في‭ ‬الهواءِ‭ ‬شباكَنا‭ ..‬
 
أمرايا‭ ‬كانتِ‭ ‬الطيرُ‭ ‬حينَهـا،
 
أم‭ ‬مياهـا؟
 
إن‭ ‬الشعرية،‭ ‬هنا،‭  ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬شعرية‭ ‬التركيب‭ ‬والإسناد‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الدلالات‭ ‬والرؤى،‭ ‬إنما‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬شعرية‭ ‬يانعة،‭ ‬تشبه‭ ‬الرفيف،‭ ‬أو‭ ‬النسيم‭ ‬الرقيق‭ ‬عندما‭ ‬يلامس‭ ‬أرواحنا،‭ ‬فهذا‭ ‬التساؤل‭ ‬الشاعري‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬لنعيش‭ ‬اللحظة‭ ‬الشعرية‭ ‬مجسدة‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬مبهرة‭ ‬في‭ ‬ملمسها‭ ‬وصداها‭ ‬الجمالي‭: (‬أي‭ ‬طفلين‭ ‬عابثين‭ ‬ملأنا‭ ‬بالندى‭ ‬كل‭ ‬حفرةٍ‭/ ‬وانطلقنا‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬الشمام‭]‬،‭ ‬هنا،‭ ‬يحيا‭ ‬الشاعر‭ (‬الذكرى‭) ‬حياة‭ ‬ماضوية‭ ‬رقيقة‭ ‬يبثها‭ ‬في‭ ‬لحظتها‭ ‬الطفولية‭ ‬الطازجة،‭ ‬لنعيش‭ ‬صفاء‭ ‬الطفولة‭ ‬وشقاوتها‭ ‬الجميلة،‭ ‬وهذه‭ ‬الشعرية‭ ‬لا‭ ‬يستطيعها‭ ‬بهذه‭ ‬الهدهدة‭ ‬والتناغم،‭ ‬إلا‭ ‬شاعر‭ ‬جمالي‭ ‬يمتلك‭ ‬الرؤية‭ ‬العميقة‭ ‬بكل‭ ‬تحولاتها‭ .‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬المترفة‭ ‬التي‭ ‬تفيض‭ ‬بشعريتها‭: (‬نلحق‭ ‬شمساً‭ ‬ماتزال‭ ‬طرية‭)‬،‭ ‬ففي‭ ‬قوله‭: (‬ماتزال‭ ‬طرية‭) ‬قمة‭ ‬التحليق‭ ‬البعيد‭ ‬في‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬البكور‭ ‬الشعري،‭ ‬ونداوة‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬صباحها‭ ‬الرقيق‭ ‬قبل‭ ‬بزوغ‭ ‬الشمس،‭ ‬وتكاثف‭ ‬أشعتها‭ ‬الحارقة،‭ ‬ثم‭ ‬إحداث‭ ‬هزة‭ ‬جمالية‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الكله‭ ‬بتساؤله‭ ‬المثير‭: (‬أمرايا‭ ‬كانتِ‭ ‬الطيرُ‭ ‬حينها‭ ‬أم‭ ‬مياها‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬يدهشنا‭ ‬العلاق‭ ‬في‭ ‬تنقلاته‭ ‬الشعر،‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬فنية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬شاعر‭ ‬جمالي‭ ‬بفكر‭ ‬جمالي‭ ‬وحساسية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬توليف‭ ‬الكلمات‭ ‬والجمل‭ ‬والصور،‭ ‬التي‭ ‬تلتقط‭ ‬اللحظات‭ ‬الرومانسية‭ ‬وتعيد‭ ‬تشكيلها‭ ‬بكل‭ ‬حيوية‭ ‬واتقاد‭  .‬
 
والمثير‭ ‬حقاً‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية،‭ ‬عند‭ ‬العلاق،‭ ‬تحقق‭ ‬إيقاعها‭ ‬الجمالي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دهشة‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬يبثها‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬القصيدة،‭ ‬مفعمة‭ ‬بنداوة‭ ‬لحظتها‭ ‬المعيشة‭ ‬ومكتسبها‭ ‬الجمالي،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬قيمة‭ ‬فنية‭ ‬مضافة،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬الشاعر‭ ‬فيضاً‭ ‬من‭ ‬العذوبة‭ ‬والرقة‭ ‬والجمال‭ :‬
 
كم‭ ‬جميلاً‭ ‬كان‭ ‬الضّحى‭..‬
 
أيُّ‭ ‬طفـلٍ‭ ‬ينزل‭ ‬النهرَ‭ ‬عـاريـاً‭ ..‬
 
ثمً‭ ‬يمضي‭ ‬لسـماءٍ
 
بعيـدةٍ
 
لا‭ ‬يراهـا‭ ..‬
 
إن‭ ‬القارئ‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬شكل‭ ‬لغوي‭ ‬شعري‭ ‬فحسب،‭ ‬ويرسم‭ ‬بريشة‭ ‬الذكرى‭ ‬معالم‭ ‬أزمنة‭ ‬قد‭ ‬مضت،‭ ‬وإنما‭ ‬يحيا‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬مثل‭ ‬طفل،‭ ‬فتفيض‭ ‬بعذوبتها‭ ‬وحساسيتها‭ ‬المرهفة،‭ ‬فكم‭ ‬جميل،‭ ‬إبداعياً،‭ ‬ربط‭ ‬الطفولة‭ ‬باللغة‭ ‬وربط‭ ‬اللغة‭ ‬بالطفولة‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬التي‭ ‬تلمس‭ ‬الكون‭ ‬بإحساس‭ ‬الطفولة‭ ‬وتلقائيتها‭: (‬أي‭ ‬طفل‭ ‬ينزل‭ ‬النهر‭ ‬عارياً‭ ‬ثم‭ ‬يمضي‭ ‬لسماء‭ ‬بعيدة‭ ‬لا‭ ‬يراها‭)‬،‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬الغض‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يراوده‭ ‬ليحياه‭ ‬عبر‭ ‬بكارة‭ ‬اللغة‭ ‬وحيويتها‭ ‬التي‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬عوالم،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬أو‭ ‬إدراكها‭ ‬بسهولة‭.‬‭ ‬وبهذا‭ ‬السحر‭ ‬الجمالي‭ ‬يأخذنا‭ ‬الشاعر‭ ‬علي‭ ‬جعفر‭ ‬العلاق‭ ‬إلى‭ ‬عوالمه‭ ‬الشعرية‭ ‬مندهشين‭ ‬بطزاجة‭ ‬اللحظة‭ ‬وحيوية‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬تفيض‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬بجمالياتها‭ ‬ورؤاها‭ ‬النصية‭ ‬المفتوحة‭.‬
 
٭‭ ‬٭‭ ‬٭‭ ‬
 
ومن‭ ‬التحولات‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬بنية‭ ‬القصيدة،‭ ‬عند‭ ‬العلاق،‭ ‬أنك‭ ‬تستشعر‭ ‬قيمة‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬وبكارتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاهد‭ ‬المدهشة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬لعبة‭ ‬الشعر،‭ ‬في‭ ‬النصّ،‭ ‬لعبة‭ ‬متكاملة‭ ‬جمالياً‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬لماذا‭:‬
 
ملأتَ‭ ‬الهـواءَ‭ ‬أنـاشـيدَ‭ ‬ميّـتـةً‭..‬
 
ثُـــمّ‭ ‬عطّرْتَ‭ ‬أيامَنا
 
بالجثثْ‭..‬
 
من‭ ‬خرابٍ‭ ‬إلى‭ ‬هجرتينِ‭ ..‬
 
ومن‭ ‬هجرتينِ‭ ‬إلى
 
ثالثةْ‭ ..‬
 
التساؤل‭ ‬هنا‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬عتاب‭ ‬شديد‭ ‬يؤسسه‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬إحساس‭ ‬مغترب‭ ‬مأزوم،‭ ‬ليعيش‭ ‬الطفولة‭ ‬في‭ ‬اغترابه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬وهماً،‭ ‬ويعيش‭ ‬الحلم‭ ‬حقيقة‭ ‬طفولية‭ ‬مؤكدة،‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬خراب‭ ‬وهجرات‭ ‬متتابعة‭ ‬وأحزان‭. ‬وبهذه‭ ‬الحساسية‭ ‬ينقلنا‭ ‬الشاعر‭ ‬نقلات‭ ‬شعرية‭ ‬مؤسسة‭ ‬على‭ ‬التنامي‭ ‬والحراك‭ ‬والاستثارة،‭ ‬ليعيش‭ ‬طفولته‭ ‬عبر‭ ‬اللغة‭ ‬تارة،‭ ‬وعبر‭ ‬الصور‭ ‬الرومانسية‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬يعيش‭ ‬غربته،‭ ‬أو‭ ‬اغترابه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الذكرى‭ ‬واسترجاع‭ ‬الأزمنة‭ ‬الماضوية،‭ ‬وعبر‭ ‬الهجرة‭ ‬والصور‭ ‬المؤثرة‭ :‬
 
كنتَ‭ ‬أكبرَ‭ ‬من‭ ‬وطـنٍ‭ ..‬
 
فلمـاذا‭ ‬صغُـرتَ
 
صغُـرتَ‭..‬
 
فاْصبحتَ‭ ‬أعظـمَ
 
من‭ ‬كارثةْ‭..‬؟
 
يلحظ‭ ‬القارئ‭ ‬هنا‭ ‬اغتراب‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬الشعرية‭ ‬وإحساسه‭ ‬المتوتر‭ ‬بالعالم‭ ‬المحيط‭  ‬ليخلق‭ ‬معادلته‭ ‬الانزياحية‭ ‬الصادمة‭ (‬فلماذا‭ ‬صغرتَ‭ ‬صغرتَ‭ ‬فأصبحت‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬كارثة‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬يثيرنا‭ ‬العلاق‭ ‬بلغته‭ ‬التي‭ ‬تفيض‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬بحساسيتها‭ ‬العالية‭ ‬وطاقتها‭ ‬الخلاقة،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬أساه‭ ‬عبر‭ ‬لغة‭ ‬انزياحية‭ ‬جمالية‭ ‬حافلة‭ ‬بالذكرى‭ ‬والحنين‭ ‬تارة‭ ‬واسترجاع‭ ‬اللحظات‭ ‬الماضية‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭.‬
 
تتمثل‭ ‬شعرية‭ ‬علي‭ ‬جعفرالعلاق‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬ومؤولاتها‭ ‬الثرية،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬القارئ‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬فضاءاتها‭ ‬مزهواً‭ ‬بدهشتها‭ ‬الإسنادية،‭ ‬وبكارة‭ ‬ما‭ ‬تبثه‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬والجمالي‭. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬ميزة‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية،‭ ‬المنفتحة‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬التأويل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استنفادها‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬واحدة‭ .‬
 
‭ ‬ناقد‭ ‬من‭ ‬سوريا