الغد-هآرتس
عاموس هرئيل - 27/9/2024
طوال ساعات مساء الأربعاء الماضي وساعات بعد الظهر أول من أمس، سجل انخفاض في قوة النيران على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان. الهدنة الصغيرة قطعت بهجوم جوي لإسرائيل آخر في حي الضاحية في بيروت الذي قتل فيه قائد رفيع في حزب الله. الأحداث على الأرض ترتبط بشكل وثيق بالتطورات الأخرى، ومنها الاقتراح الأميركي-الفرنسي لوقف إطلاق النار الذي تم عرضه أول من أمس.
سفر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك؛ أثار نوبات غضب شركائه في الائتلاف من اليمين المتطرف عندما أثيرت احتمالية حدوث هدنة في القتال.
بعد حوالي سنة على حرب استنزاف باهظة الثمن ومؤلمة على الحدود الشمالية، فإن أحداث الأيام العشرة في لبنان التهمت كليا كل الأوراق. منذ بدأ بالإطلاق نحو إسرائيل في 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد أملى حزب الله العديد من الخطوات على الجبهة الشمالية. بواسطة إطلاق النار نحو المستوطنات قرب الحدود، فرض حزب الله إخلاء السكان، والإبقاء على قوات الجيش الإسرائيلي في الشمال، وأسهم بذلك بشكل كبير في نضال حماس في قطاع غزة. إسرائيل في الحقيقة قتلت تقريبا 500 من نشطائه واغتالت شخصيات رفيعة وأفرغت قرى في جنوب لبنان من السكان، لكنها لم تنجح في إجبار حزب الله على وقف النار. كلما قصف أكثر صمم الحزب على زيادة إطلاق النار وإطالة مداه إلى أن غطى بالتدريج معظم منطقة الجليل وهضبة الجولان. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تعهد مرة تلو الأخرى بمواصلة الإطلاق بما أن إسرائيل تحارب في غزة.
الأحداث التي وقعت منذ 17 من الشهر الحالي فصاعدا غيرت الصورة بدرجة معينة. هجمات البيجرات وأجهزة الاتصال التي نسبت لإسرائيل، وتصفية قائد رفيع هو إبراهيم عقيل، والجرح (المقدر) لعلي كركي، وسلسلة التفجيرات الشديدة التي دمر فيها جزء كبير من قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ، للمديين القصير والمتوسط، كل ذلك غير ميزان القوة وأثر على حسابات حسن نصر الله. في هذه الأثناء رد حزب الله كان حذر جدا. وهذا الرد ينعكس في قرار إطلاق الأربعاء الماضي صاروخ بالستي وحيد على مشارف تل أبيب، بعد أن قتل أكثر من 700 لبناني في الهجمات منذ الأسبوع الماضي والآلاف أصيبوا (معظم القتلى، كما يبدو، هم من رجال حزب الله رغم أن هناك أيضا خسائر كثيرة في أوساط المدنيين). الصاروخ، الذي حسب أقوال حزب الله وجه إلى مقر قيادة الموساد، تم اعتراضه.
في جهاز الأمن الإسرائيلي يستعدون لسيناريوهات رد أكثر شدة. ولكن على الأقل في هذه الأثناء يبدو أن هذا ليس فقط نتيجة المس بسلسلة قيادة حزب الله. حسن نصر الله، حتى مساء أول من أمس، حذر من الانزلاق إلى معركة شاملة. إطلاق حزب الله لم يوجه حتى الآن إلى مراكز المدن الكبيرة. يبدو أنه يقول لنفسه إنه بما أنه يمتنع عن قتل جماعي للمدنيين الإسرائيليين، فإن إسرائيل لن تضرب الضاحية؛ الحي الشيعي في جنوب بيروت. في العام 2006، صادق للكركي على إطلاق الصواريخ نحو حيفا، التي قتل فيها مدنيون. إسرائيل ردت بعمليات قصف أخرى للضاحية، وبعد سنتين عرض غادي ايزنكوت، الذي كان في حينه قائد المنطقة الشمالية، عقيدة الضاحية التي هددت بتدمير معاقل حزب الله في الضاحية. ربما أن حسن نصر الله لا يريد تكرار الخطأ.
ضبط النفس النسبي الذي أظهره رئيس حزب الله حتى الآن أثار المفاجأة في الجانب الإسرائيلي. هو يمكن أن يدل على القوة المخيفة للضربات التي تكبدها حزب الله، وخوف أسياده في طهران من أن تتسبب زيادة قوة النيران في فقدان نهائي لمشروعهم الكبير -ترسانة السلاح الضخمة التي أقاموها لحزب الله بعد حرب لبنان الثانية، التي هدفها الأساسي كان ردع إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية في إيران. أيضا إسرائيل حتى الآن لا تضرب بكل القوة. بعد الهجوم الكبير في بداية الأسبوع قلص سلاح الجو نطاق الهجمات. وفي حين أن احتمالية حدوث عملية برية في جنوب لبنان تزداد باستمرار فيجدر التذكير بأنه حتى الآن تم تجنيد فقط لواءي احتياط.
رغم الفروق الواضحة، إلا أنه يوجد خطوط تشابه معينة بين التخبطات الآن مع تخبطات الأيام الأولى لحرب 2006. إسرائيل هاجمت في حينه صواريخ المدى المتوسط التي أخفاها حزب الله في بيوت في لبنان (عملية "الوزن النوعي") ردا على اختطاف جنديي الاحتياط. بعد بضعة أيام من القتال كانوا مترددين فيما يتعلق باستخدام خطة أخرى، "كاسرة الجليد"، كان اسمها آنذاك. بعض الجنرالات، من بينهم ايزنكوت وموشيه كابلنسكي، أوصوا رئيس الحكومة ورئيس الأركان دان حلوتس بالتوجه إلى هجوم جوي شديد وقصير، وبعده إعطاء فرصة لوقف إطلاق النار، الذي في غيابه ستدخل القوات إلى عملية برية في جنوب لبنان. فعليا، حكومة اولمرت لم تعمل بحزم على الحل السياسي، حزب الله اختار مواصلة القتال، والعملية تدحرجت إلى شهر آخر من القتال البري المتردد، من دون حسم، إلى أن تدخلت الدول العظمى وفرضت وقف إطلاق النار.
في هذه المرة، حجم الضرر والمصابين من حزب الله كبير بدرجة لا تقدر. وفي المعادلة هناك متغير آخر وهو، المراسلون الذين يتابعون ما تفعله عائلة نتنياهو وينسبون إليه وزن كبير، مطالبة زوجة رئيس الحكومة بإطالة تواجد الزوجين في نيويورك خلال نهاية الأسبوع، وليقفز المدنيون والجنود. الزوجان نتنياهو يوجد لهما مصلحة شخصية في تهدئة النفوس ليومين آخرين على الأقل، كما أن الاستقبال الذي سيحظى به في الأمم المتحدة مرهون بقوة الهجمات. صباح أول من أمس، نشرت إحاطات متناقضة بدرجة معينة في وسائل الإعلام، في البداية تم اقتباس مصدر في مكتب رئيس الحكومة، الذي أكد أنه "يوجد ضوء أخضر لوقف النار لغرض المفاوضات". بعد ساعة تقريبا، نفى المكتب النبأ الذي نشر في شبكة "سكاي نيوز" حول التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقال "إن رئيس الحكومة حتى لم يرد على العرض الأميركي-الفرنسي". إلى أن هبط نتنياهو في نيويورك، كان قد تم استكمال الانعطافة الكاملة. رئيس الحكومة تنصل من التفاهمات الأولية التي تم التوصل إليها مع الإدارة الأميركية، وتساوق مع المتطرفين في حكومته: الهجوم في لبنان سيستمر حتى إشعار آخر، على الأقل. يمكن فقط تخيل قوة الغضب في الإدارة الأميركية من هذه الخدعة الأخيرة.
لكن هناك المزيد من الاعتبارات ثقيلة الوزن التي تشغل نتنياهو. هجوم جوي جديد في الشمال يستهلك ذخيرة دقيقة، لأنه في مرات كثيرة نحتاج إلى ضرب منصة إطلاق وصاروخ واحد، تكون مخبأة في بيت. الاعتماد على الولايات المتحدة مرتفع جدا، ومن أجل إقناع الإدارة الأميركية في تسريع توفير ذخيرة أخرى، يجب إظهار نية حسنة وإثبات أن إسرائيل ليست العائق أمام الحل الدبلوماسي.
مهمة الوساطة الأميركية تتم بصورة غير مباشرة من خلال الفرنسيين ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي هو أيضا رئيس حركة أمل الشيعية. الأميركيون يحاولون تقديم سلم لحسن نصر الله كي ينزل عليه عن شجرة الالتزام بمواصلة القتال إلى جانب حماس، الذي تبين أنه خطأ بالنسبة له. يبدو أنهم يأملون في أن الهدنة لثلاثة أسابيع لغاية التفاوض يمكن أن تحلي له حبة الدواء المرة.
الرسائل الأولى التي استقبلت من حسن نصر الله يوم الأربعاء الماضي كانت سلبية، كما يبدو أيضا بسبب السؤال كيف يمكن للطرفين العمل في فترة وقف إطلاق النار، كجزء من الدفاع عن النفس. الخيار من ناحية حزب الله ليس فقط بين وقف إطلاق النار وحرب شاملة وهزيمة، ربما أنه سيختار مواصلة إدارة حرب استنزاف، التي في إطارها يحافظ على مدى نيران واسع ويحاول التشويش لفترة طويلة الحياة في شمال البلاد، بدرجة أبعد بكثير من المناطق التي هاجمها بشكل ثابت حتى الأسبوع الماضي.
حول وقف إطلاق النار، إذا تم التوصل إليه، تثور علامات استفهام أخرى. كيف ستمنع إسرائيل حزب الله من كسب الوقت من أجل أن ينهض، ويرمم سلسلة القيادة والسيطرة، وربما إعادة تسلحه؟ ماذا ستفعل إذا استأنف حزب الله قوافل السلاح المهربة من سورية إلى لبنان؟ وحتى إذا انزلقت الأسابيع الثلاثة وتحولت إلى اتفاق للمدى الطويل، كيف يضمنون أن هذا الاتفاق سيؤدي الى هدوء طويل في الشمال وعودة السكان؟
رؤساء المجالس الإقليمية على طول الحدود في الجليل يظهرون مؤخرا القلق من جانبين في انتشار حزب الله: "قرى خشبة القفز والبنى التحت أرضية. الادعاء هو أن حزب الله ينتشر في قرى شيعية قرب الجدار بشكل يسمح لرجال قوة الرضوان بالانطلاق سريعا للاقتحام إلى داخل أراضي إسرائيل، مع استخدام البنى التحتية التي توجد في الطرف اللبناني. في الجيش الإسرائيلي، وبالأساس في قيادة المنطقة الشمالية، هناك ضباط يعتقدون أن احتلال المنطقة حتى نهر الليطاني وإعادة إقامة المنطقة الأمنية التي تركت في أيار (مايو) 2000، هو شرط الحد الأدنى لوضع نهاية للحرب. آخرون يحذرون من تورط مزدوج، في البداية في معارك وبعد ذلك الاحتفاظ بالأرض، ويذكرون أن إقامة شبكة مواقع بتكلفة اقتصادية وعسكرية باهظة لن تمنع إطلاقا حاد المسار لصواريخ من فوق المواقع نحو المستوطنات القريبة من الجدار.
الجنرال احتياط يعقوب عميدرور هو أحد المستشارين المؤثرين الآن في حاشية نتنياهو (اثنان آخران هما العميد احتياط آفي ايتام ويعقوب ميغل) (لا يوجد لهؤلاء الثلاثة منصب رسمي). من بعض ظهورات عميدرور مؤخرا، يمكن المعرفة عن نوايا رئيس الحكومة. نتنياهو يستعد لاحتمالية اندلاع حرب طويلة في غزة وفي لبنان أيضا. هو يضع الآن لبنان في المقام الأول لأن المخاطرة التي يتعرض لها من حماس في غزة تقلصت جدا (عميدرور لا يشرح لماذا لم يتوصل إلى هذا الاستنتاج قبل بضعة أشهر). بخصوص عملية برية، فإنها لا تطرح كموضوع لا يمكن التنازل عنه. وحسب قوله، إذا أبعد اقتراح الوساطة رجال حزب الله إلى ما وراء الليطاني، فإنه لا توجد حاجة إلى إرسال الجنود إلى داخل لبنان. وفي ظل غياب ذلك، فلن يكون مناص من فعل ذلك.
مرات عدة في الأيام الأخيرة، رغم العمليات المثيرة للانفعال للجيش والاستخبارات، ثار الشك في أننا في الواقع نشهد لعبة "بوكر" شرق أوسطية واسعة. عملية اصطدام واسعة على الأرض ما تزال لا تبدو مؤكدة. ربما أن إسرائيل ما تزال تحاول التوصل إلى إنجازات في الحرب من دون استخدام القوة البرية.