Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2019

تركيا تفقد حليفا استراتيجيا بسقوط البشير

 الغد-تقرير خاص – (أحوال تركية) 11/4/2019

 
بتنحية الجيش السوداني للرئيس عمر حسن البشير، تكون تركيا التي تعدّ راعية للإسلام السياسي، قد فقدت حليفاً استراتيجياً كانت تعوّل عليه لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية التي تعتبرها منطقة محتملة للنفوذ، خاصة وأنها كانت قد عزّزت علاقاتها الاقتصادية ووقّعت العديد من الاتفاقيات معه.
وجدت تركيا في السودان الذي يعدّ سلّة الغذاء في إفريقيا، ساحة مناسبة لخوض المغامرات السياسية والعسكرية، وممارسة الضغط على كلّ من مصر والسعودية، وتعزيز مكانتها الإقليمية من خلال استغلال ما أمكن استغلاله من ظروف داخلية وخارجية محيطة به.
بعد الأحداث الأخيرة، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ الذي يعتبره أنصاره “زعيم العالم الإسلامي”، الالتفاف على خسارة حليفه البشير، بقوله: “أهم ما أتمناه أن يتخطى السودان هذه المرحلة على أساس السلام والمصالحة الوطنية”، في محاولة منه لمدّ جسور محتملة مع سودان ما بعد البشير.
كما حاول الإعراب عن تمنياته بأن “يتمكن السودان من الخروج من هذا الوضع بأجواء أخوية، وتفعيل المرحلة الديمقراطية بأسرع ما يمكن”. وتعكس لغة أردوغان التي تبدو هادئة ودبلوماسية مدى قلقه، لاسيما وأنه اعتاد اللجوء إلى لهجة خطابية عالية وإطلاق التهديدات والوعود ضدّ مَن يختلف معه، أو مَن يصفهم بالمتآمرين.
كانت تركيا قد عملت على تقوية وجودها العسكري في جزيرة سواكن السودانية التي شكّلت مطمعاً لها سعت من خلاله إلى استعادة ما تصفه بإرث الإمبراطورية العثمانية، لتؤمّن موطئ قدم لها على البحر الأحمر، بما يمكن أن يشكل تهديداً لحرية الملاحة فيه.
كما عمل أردوغان بتصميم كبير على تأسيس منطلق لبلاده على البحر الأحمر في محاولة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. وقد افتتحت تركيا قاعدة عسكرية في السودان في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2017 بهدف تدريب الجيش الصومالي، وذلك قبل عام من تأسيس قاعدة مماثلة في قطر.
وشكّلت منطقة البحر الأحمر بالإضافة إلى خليج عدن أهمية استراتيجية، اقتصادية وأمنية متداخلة يصعب الفصل بينها، لكل من مصر والسعودية والسودان وإسرائيل، إلى جانب القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والقوى الدولية البعيدة جغرافياً مثل الولايات المتحدة والصين.
ووجدت تركيا فرصة سانحة هناك، وبخاصة أنها لاحظت وجود دول ضعيفة بسبب النزاعات الداخلية وقلة الموارد والفقر وعوامل أخرى أسهمت في إضعاف الحكومات المركزية فيها، وهي عوامل أسهمت في دفع بعض الحكومات إلى القبول بتواجد عسكري أجنبي ونفوذ اقتصادي على أراضيها مقابل مساعدات اقتصادية وعسكرية.
مع طيّ السودان صفحة الرئيس عمر البشير، فإنها تطوي بذلك ثلاثة عقود من صفحة مشروع الإسلام السياسي الذي أثبت فشله واقعياً، وتسبب بكوارث للبلاد، وأنتج التقسيم والحروب الأهلية التي ما تزال تداعياتها وتأثيراتها تكبر وتخلف المآسي المتجددة.
في سياق التعليق على انهيار جزء من منظومة الإسلام السياسي، يقول رشيد الخيون، الباحث في التراث الإسلامي:
“قلعة أخرى من قلاع الأحزاب الإسلامية الدينية تتهاوى، قضي الأمر ضدّ انقلاب البشير والترابي للعام 1989، وتطبيق الشريعة والجلد وفرض الحجاب، وأكذوبة تبنّي الاقتصاد الإسلامي، وأكذوبة البنك اللاربوي، وقد أبدت شخصيات ودول انزعاجها وبان إحباطها، لأن مشروعهم الإخواني تدهور، وشرع أردوغان، سلطان المسلمين، حسب تسمية القرضاوي وقرداغي له، في الصراخ”.
حاول النظام التركي بقيادة حكومة أردوغان الإسلامية استغلال نظام البشير الإسلامي الذي كان يعاني تحت وطأة العقوبات، لتمرير مشاريعه وخططه بالضغط على دول الجوار السوداني، وبخاصة مصر بعد إنهاء حكم الإخوان المسلمين فيها على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2013. كما سعت حكومة أردوغان إلى أن تكون أراضي السودان بؤرة ضغط على السعودية التي تقف في وجه منظومة الإسلام السياسي الإخوانية.
ولا يخفى أن أي تحرك يقوم به الجيش من أجل حماية مؤسسات الدولة، أو الانتصار لمطالب الشعب، يثير سخط أردوغان واستياءه، لأنه يستعيد تجربة محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها فصائل من الجيش في منتصف تموز (يوليو) من العام 2016، وما تزال بالنسبة له مثار قلق ورعب متجددين، على الرغم من استغلاله لها للتنكيل بمعارضيه واعتقال مئات الآلاف منهم، والتضييق على الحريات في البلاد بشكل خطير.
وحاول نظام أردوغان تبييض صفحة البشير ونظامه، من خلال التقرب منه واستغلال وضعه، وتقوية منظومة الإسلام السياسي ومنحه جرعة تعزز هيمنته بالانفتاح عليه، وتجاهل ما تسبّب ما به نظام البشير الذي كان جزءاً من هذه المنظومة، التي تشكّل تركيا رأس الحربة فيها، وتزعم قيادتها، في انفصال جنوب السودان، كما تسبب بحروب أهلية في دارفور وكردفان وغيرهما من المناطق السودانية.
وكان البشير قاد السودان، تحت تأثير حسن الترابي، نحو حكم إسلامي أكثر تشددا. واستضاف في التسعينيات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم عاد وطرده بطلب من الولايات المتحدة.
وسعى إلى اللعب على الخلافات الإقليمية والدولية في تحسين وضعه كرئيس لنظام يطيل عمره بالاعتماد على التناقضات الدولية والإقليمية. وفي العام 2013 استضاف الرئيسَ الإيراني حينذاك محمود أحمدي نجاد في الخرطوم، وبعد عامين انضم البشير إلى التحالف العربي الذي تدخل في الحرب اليمنية.
كما سعى البشير إلى التودد لتركيا وروسيا في الوقت الذي صعدت فيه الخرطوم تعاونها الأمني مع واشنطن على أمل التعجيل برفع العقوبات المفروضة على البلاد. وقد رفعت العقوبات فعلاً في العام 2017.
ومنذ توليه السلطة في السودان، الذي كان حينذاك أكبر دول إفريقيا مساحة، خاض حرباً أهلية طويلة مع متمردين في جنوب البلاد انتهت بانفصال جنوب السودان في العام 2011 وفقدان أكثر من 70 في المائة من نفط السودان.
وقام البشير رئيس المجلس العسكري الذي استولى على السلطة العام 1989 بحل المجلس في العام 1993 وحكم البلاد منذ ذلك الوقت بقبضة من حديد، واتهمته جماعات حقوقية باللجوء إلى العنف والتعذيب للتخلص من خصومه السياسيين.
وفي مواجهة الأمر بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بسبب مقتل عدد يقدر بنحو 300 ألف شخص في دارفور، تحدى البشير المحكمة الدولية وواصل زياراته للدول الأجنبية الصديقة، محاولاً إظهار أنه لم يذعن للأمر الدولي بالقبض عليه الذي أصدرته المحكمة.