Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Sep-2021

أبو الهيجاء: الشاعر الحقيقي سلاحُه الكلمة

 الراي - شروق العصفور

يرى الشاعر عمر ابو الهيجاء أن الخطاب الثقافي بمجمله هو المحرك الأساسي والشعلة المتوهجة التي يستقيها الخطاب من المعطى اليومي وقضاياه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية. مؤكدا أن الشاعر الحقيقي سلاحه الكلمة وهو جزء مهم من مجتمعه، وحين يكتب سرديته وقضاياه فإنه يعمل جاهدا بفكره ورؤاه ليتلمس واقعه منطلقا من الذات الشاعرة إلى الذات الجمعية.
 
الرأي التقت الشاعر ابو الهيجاء وكان الحوار التالي:
 
إلى أي مدى تؤمن بأن على القصيدة أن تشتبك مع الراهن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟
 
الخطاب الثقافي بمجمله هو المحرك الأساسي والشعلة المتوهجة التي يستقيها الخطاب من المعطى اليومي وقضاياه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، فنجد هذا الخطاب الثقافي الإبداعي يتمثل في جميع الأجناس الإبداعية من ورواية وقصة وشعر ومسرح وسينما وفنون تشكيلية، فالقصيدة تشتبك كغيرها مع هذا الراهن، فهي المحرك والمعبر عن دواخل النفس البشرية وتطلعاتها وملامسة أحاسيسها و أمالها المستقبلية. إذن، الشعر من وجهة نظري هو الأقرب للنفس الإنسانية وتثويرها من حيث توهج اللغة والاستعارات الأكثر جمالية التي تلامس الواقع بمخيلة خصبة تشتبك فيها مع الهم الإنساني في شبكة الحياة المتلاطمة الأحوال والأمواج.
 
كيف يمكن للشاعر أن يطرح قضيته وسرديته في مواجهة سردية الآخر وأن يكتب قصيدة إنسانية في الوقت نفسه؟ وإلى حد يمكن القول إن الشاعر يكتب سيرته في القصيدة؟
 
الإنسان بشكل عام له العديد من الصفات المشتركة في القضايا الإنسانية والاجتماعية الحياتية وفي جميع المجالات التي تعنى بالفرد والجماعة، من هنا نجد الشعوب المضطهدة والمغلوبة على أمرها في أرجاء هذا الكون، تناصر بعضها بعضا وتقف في وجه الظلم والاستبداد.
 
فالشاعر الحقيقي سلاحه الكلمة، وهو جزء مهم من مجتمعه، وحين يكتب سرديته وقضاياه فإنه يعمل جاهدا بفكره وراؤه ليتلمس واقعه منطلقا من الذات الشاعرة إلى الذات الجمعية، وبرأيي، إن أجمل السرديات الشعرية هي التي تبدأ من الذات التي تفضي إلى التفاصيل الدقيقة في المعاناة الجمعية، فتكون المدونة السردية للشاعر قادرة على مواجهة الآخر بقوة التعبير وبلغة مؤثرة قادرة أيضا على المواجهة بفضاءاتها المشحونة والمقاومة والمحرضة ضد كل أنواع الظلم والقهر والتشرد.. بذلك يكون الشاعر قد استطاع أن يترجم ما بمخيلته على هيئة قصيدة إنسانية وسردية ذاتية تواجه سردية الآخر بشراسة في الوقت نفسه.
 
عشر مجموعات شعرية وما زلت مثابراً في الكتابة. ألم تقُل بعد كل ما لديك؟وإن كان لا، فمتى يمكنك القول إن ما لديك نفد؟
 
بالنسبة لمنجزي الشعري طوال ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما، أحاول دائما أن أقدم الجديد وأن أتجاوز ما أصدرته من قبل، و أمارس قسوة نقدية على كل قصيدة أكتبها قبل أن يمارسها النقد عليَّ وقبل زجّها للنشر، فالكتابة بالنسبة لي حالة يومية ومخاض أعيشه وأتعامل معه ومن دون الكتابة أجد نفسي في حالة من عدم التوازن ونقص في كيمياء الحياة.
 
إذن، الكتابة والقراءة طقس يومي أتجدد معهما لأجد نفسي المسكونةَ بالأمل والجمال، ورغم هذا المنجز الشعري لدي لم أقل بعد ما أريد، وإذا قال أي مبدع ما لديه عليه أن يتنحى جانبا ويتكئ على ما قدمه سابقا، فالمبدع ما دام يتنفس الحياة فإن عليه المواصلة بدأب وجهد عميقين باحثا عن الأصالة والتجديد في تجربته التي لا تنفد إلا برحيله إلى عالم آخر.
 
كيف تنظر إلى واقع النقد الذي يتناول المدونة الشعرية العربية؟ وهل أنصف النقد تجربتك؟
 
الأدب والنقد توأمان، وكلاهما إبداع على إبداع، وبرأيي لا نقد من دون إبداع، لكن الذي نشهده الآن في المدونة النقدية أن النقد أصبح بعيدا عن الموضوعية وغدا مجاملا وفيه الكثير من المحاباة، نقد لأسماء لا نقد لنصوص، وهذه كارثة، حتى أنك تجد بعض القراءات النقدية تنطبق على الكثير من الأعمال وما عليك إلا أن تضع فقط اسما مكان اسم المنقود.
 
من ناحية أخرى، هناك نقد جاد ومتزن، ولدينا نقاد كبار لهم منجزهم النقدي الذي نعتز به من مثل: د.إبراهيم السعافين، د.شكري عزيز ماضي، فخري صالح، د.خالد الكركي، د.راشد عيسى، د.غسان عبد الخالق، د.عماد الضمور ود.إبراهيم خليل. أما بالنسبة لي، فقد كتب عني الكثير محليا وعربيا..لكن بالرغم من ذلك لم تدرَس تجربتي جيدا.
 
المشهد الشعري في الأردن غني ومتنوع، لكن الشعراء الأردنيين لا يظهرون بوصفهم نجوماً في الأفق العربي، باستثناءات فردية هنا وهناك، ألا ترى في الأمر قسمة غير عادلة، أقصد حضور الشاعر الأردني على المنابر وفي المهرجانات الأجنبية العربية؟
 
بداية لنتفق أن لا نجومية في الشعر والأدب، ألا تلاحظين معي بأن معظم المبدعين في الأردن من شعراء وروائيين وقاصين ومسرحيين وتشكيليين يحصدون المراكز الأولى في المسابقات الثقافية؟
 
المشهد الشعري الأردني يفوق المشهد الشعري العربي ويتقدم عليه، ولبعض الشعراء الحضور الأجمل في المحافل العربية والدولية، وأقولها ومن دون أي تحيز وبصدق؛ هناك «ماكينات» إعلامية لبعض الشعراء العرب أوصلتهم إلى المحافل العربية والدولية.. كل ذلك بجهود فردية تشتغل على نفسها إعلاميا بعيدا عن دعم المؤسسة الرسمية للإبداع. لا يوجد أي قسمة هناك أو ما شابه ذلك، ثمة شاعر مثابر وآخر كسول.. الشعر بالأردن بخير ومعافى لولا ظهور بعض الطفيليات على السطح، وللأسف إننا في المشهد الثقافي نفتقد إلى العائلة الأدبية.
 
تكتب بينما تمارس العمل الصحافي، ما الأثر الذي يتركه العمل بمهنة المتاعب على القصيدة لديك؟
 
القصيدة والعمل الصحفي كلا منهما يكمّل الآخر، ففي العمل الصحفي على المبدع أن يلمَّ بمفاتيح الصحافة ولغتها ومفرداتها، ويضفي عليها لغته وبيانها. عملي في الصحافة الثقافية أضاف لي الكثير.. الاحتكاك بالجسم الثقافي والإعلامي واكتساب المهارة والتقنية في الكتابة الصحفية. لكن لم يكن هناك أي تأثير على القصيدة، بل كانت الفائدة متبادلة، ولم تحد تجربتي الصحفية من كتابة للشعر، إذ أصدرت مجموعات شعرية عدة خلال ممارستي لمهنة المتاعب.
 
يتوارى الشعر في الزمن الراهن لصالح السرد، الرواية تحديداً، ما الذي يلزم فعله ليعود الشعر ديوان العرب؟
 
من قال إن الشعر يتوارى؟ هذا إجحاف بحق ديوان العرب. الشعر سيبقى الناطق الرسمي باسم الشعوب المقهورة وسيبقى ديوان العرب بلا منازع، لا يمكن أن يحلَّ جنس أدبي مكان آخر، الشعر يدخل في شتى الأجناس الإبداعية، عندما نقرأ مثلا رواية نقول إن لغتها شعرية، وكذلك القصة واللوحة وغير ذلك، إذن الشعر موجود وسيبقى ديوان العرب، بالرغم من حضور الرواية بشكل لافت.
 
يُتهم الشعر الحديث بالغموض والتهويمات، وإذا كتب الشاعر قصيدة صداحة وجماهيرية كي يقترب من القارئ فإنه يُتهم بالتبسيط والتسطيح. ما الحل لهذه المعضلة؟
 
مسألتان مهمتان هنا في هذه القضية، الأولى أن بعض الجماهير تريد الكلام السهل الذي لا يحتمل الفكر والإيحاءات والانزياح في الجملة الشعرية والفتوحات اللغوية التي تعمل على كهربة المتلقي ودهشته، وبرأيي ليس كل شعر موزون هو شعر. هل «رباب ربة البيت تصب الخل بالزيت» شعرا؟ وليس كل كلام موزون يعد شعرا.
 
هناك فنيات وتقنيات أخرى للقصيدة، وهناك جمهور ذوّاق يرقى إلى مستوى النص الشعري ويجتهد، وجمهور آخر يريد فقط الكلام المباشر والتقريري ولا يريد الارتقاء بذائقته والسمو بها، فنجد التصفيق لهذا النوع من الشعر، وهو تصفيق مجاني لكلام عادي لا فنية فيه، بينما هناك تفاعل حقيقي وتصفيق فني لصور شعرية مدهشة لشعر ذي قيمة فنية وحداثة لغوية متقنة. وأجمل الشعر ما انطوى على غموض، كي يتاح للمتلقي التفكير فيه، فالشاعر لا بد أن يترك مفاتيح لنصه الشعري، أما التهويمات والطلاسم فلا مكان لها في جسم القصيدة.
 
لو قُيض لك أن تعيد النظر في مجمل تجربتك؛ هل ستفكر بحذف قصائد أو مجموعات بعينها من هذه التجربة؟
 
هذه المسألة نسبية. بعض المجموعات الأولى أفكر بإعادة النظر فيها وفي صياغتها من جديد أو ربما حذف بعض القصائد، أما حذف مجموعات كاملة فبالطبع لا. رغم أن هناك شعراء حذفوا مجموعاتهم الأولى من أعمالهم الكاملة.
 
يتسرب الشعراء العرب باتجاه مساحة السرد، فيكتبون الرواية والقصة والسيرة. ما رأيك بهذه الظاهرة، وهل هي صحية؟
 
ما المانع بأن يكتب الشاعر الرواية والقصة والمسرح والرسم؟ تداخل الأجناس عند الأديب أمر متاح وإبداع على إبداع شرط ألّا يؤثر على مستوى التخصص الذي عُرف به. هناك حالات أو أفكار أو كتابات في مخيلة الشاعر ربما لا يستوعبها الشعر، فيذهب الشاعر إلى الرواية لأن مساحتها للسرد أوسع، والشاعر الحقيقي سردُه جميل كشعره.