Tuesday 19th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Jun-2020

الهُـــــــوَّة

 الدستور

نايف النوايسة
بينهما أُخدود من الصمت المتأجج، خَدّدته مخالب السنين وأظهرت دمامله.
 
عالَمان متباعدان على سرير واحد..
 
لا يأخذهما الضوء إلى شرفات الابتسام، حتى العتمة لا تفتح لهما مساقط الوداد.. وليس في الأفق فنجان قهوة كما تعودا.
 
حائران ولا يدري ما الذي عليه فعله...
 
نبتت على جانبي الأُخدود أشواك التوحش وفضلات الغضب، وكتب اليباس حروفه على وجه الربيع، وفارقتهما طبيعة الطين إذ تطلب الماء، وخمد الارتعاش في قمقم الرغبة، ومع ذلك هو يحبها ولم يتحوّل.
 
الصمت بسوطه البارد يدحر ضحى النهار ويزيده بشاعة، والترقّب الغامض يسترخي على كف الليل،
 
حيران والأبواب أمامه كثيرة ولا تَفتح إلى فضاء..
 
ذات يقظة، انتصبتْ أمام عينيه ومضة من سديم في نفسه، وأسّرّ: لعلها من قبس في هذا التيه، فعزم على أن بفعل شيئاً ذا بال، فقلّب جثته ذات اليمين وذات الشمال، فاهتزتْ غشاوة الصمت فانبعث إلى سطحها شخير منها ما كان قبل ذلك.
 
ابتسم بوجه العتمة ثم سعل، فازداد الشخير حتى رددت صداه الزوايا..
 
كفّ عن السعال برهة وتربّص هنيهات.. توقفت عن الشخير..
 
إذاً، هي لغة جديدة للحوار، وحاول إقناع نفسه بأن في قلبيهما ندىً من ينبوع حب.. سعل مرة أخرى فعاود الشخير انبعاثه إلى الأُخدود.. سعال وشخير، سعال وشخير.. وماذا بعد؟!
 
وماذا بعد ذلك؟
 
أدار ظهره لها، ورطّب فمه من لُعاب كالعلقم.. علّق عينيه في عباءة العتمة يبحث في التيه عن ثقب يخرج منه.. عن قبس يأنس إليه..
 
الصندوق مقفل بإحكام عليهما منذ أربعين سنة، ذهب الأولاد وبقيت آثارهم، لكن هذه الأربعين مُوغلة في البرودة على حافة الانتظار.. كان يقول منذ أمدٍ: ما أشبه الموت بالحياة؛ حينما يكون الموت حتماً مقضياً، وتكون الحياة النَّكِدة بوابته المُشرعة.
 
أغمض عينيه محاولاً التقاط َخيطَ وسنٍ.. لا يعلم كيف ينام وكيف يستيقظ إلاّ حين يضغطه كابوس مرعب ثم يقذفه إلى اليقظة.. تجمعت حواسه كلها في أذنيه.. كان يسمع دقات قلبه، وخشخشة الأشياء من حوله.. إنه يغفو.
 
سحبته لُجّةُ الغفوة إلى قاع النوم.. ليس له علاقة بجسده.. ربما سعل وتمتم وضحك ولكنه لا يدري فقبضة الكابوس أغلقت كل منافذ وعييه.. كان يعوم في هُوُّة من الطين النتن، وحوت بشع يراوده عن روحه من كل الجهات.. يحاول الهرب والتملص من قبضته، فكلما أمسك بحافة الهوة واستبشر بالنجاة ضرب الحوت بذنبه الطين فعاد المسكين إلى القاع ليبدأ العوم من جديد.
 
لم يستسلم للهوة واستمسك بخيط الحياة، وظل يقاوم، ويدفع عنه هجمات الحوت ما استطاع.. يندسّ الحوت تحته ويفتح فمه وظن أنه سيلتقمه لكنه قهقه بوجهه معربداً.. أهي مداعبة قبل النهاية؟! حاول الاحتماء بطبقات الطين، لكن الحوت التحم به، فهرب المسكين جهة الأخدود.. أصابع الهُوُّة تلحقه، ويستعصم بخيط الحياة يتشبث به.. يتسلقه.. ينقذف إلى حافة الهُوُّة بشدة.. ينتفض ليخلص نفسه من الطين فيرتطم رأسه بحافة السرير وهو يسقط إلى الأرض..
 
فتح عينيه، كان الضوء يعم الغرفة.. لم يفُهْ بشيء.. كان يتوجع من شدة الارتطام.. نظر صوبها فوجدها تراقبه وعلى وجهها آثار ابتسامة مُحيّرة.. ثم تحولت عنه إلى الجدار وراحت تُشخر.. وكفّ هو من مشاريع السعال.
 
نهض متثاقلاً وغادر الغرفة حيران لا يدري ماذا يفعل!!