Monday 3rd of November 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Nov-2025

الكرك نموذج للرؤية الملكية في التحديث المتوازن

الراي - 

زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى محافظة الكرك، حملت رسالة قيادة تترجم مبدأ جوهرياً في فلسفة الحكم: أن التخطيط، مهما كان محكماً، يظل دون قيمة، ما لم يُترجم إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
 
حين قال جلالته لأبناء الكرك: «التخطيط الجيد دائماً مطلوب، لكن الأهم هو التنفيذ على الأرض»، كان يضع معياراً عملياً للأداء الحكومي، ويؤسس لثقافة جديدة في الإدارة العامة، قوامها المتابعة والمساءلة والنتائج.
 
هذه الزيارة الثانية لجلالته إلى الكرك خلال أقل من عام تعني الكثير في التوقيت والدلالة؛ فهي تأتي بعد أن وجه جلالته في زيارته الأولى بسلسلة من المشاريع والمبادرات التنموية، واليوم يعود ليتابع بنفسه ما تحقق، وليفتح أفقاً جديداً لمشاريع إضافية، أبرزها مشروع التلفريك السياحي الذي سيغير وجه المدينة اقتصادياً وسياحياً.
 
بهذا المعنى، يتحول الميدان إلى منصة رقابة ملكية حيّة، تُقاس فيها كفاءة المؤسسات الحكومية بمدى إنجازها الفعلي لا بوعودها.
 
حين وجّه جلالة الملك الحكومة إلى إنشاء تلفريك في الكرك، بدا أن المشروع لا يُراد له أن يكون مرفقاً ترفيهياً فحسب، بل محركاً للتنمية المحلية ومصدراً مستداماً لفرص العمل والدخل.
 
فالكرك التي تحتضن إرثاً تاريخياً عميقاً من قلعتها الشهيرة إلى بيوتها القديمة، تستحق أن تتحول إلى وجهة سياحية متكاملة تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها، وهو ما يجعل مشروع التلفريك إضافة نوعية إلى خارطة السياحة الأردنية، لاسيما بعد النجاح الذي حققته تجربة مماثلة في محافظة عجلون.
 
رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان أوضح أن الحكومة ستستكمل الدراسات التنفيذية للمشروع والبدء به في أقرب وقت، ليكون رافعة للسياحة في المحافظة، ورابطاً تنموياً بين قلعة الكرك والمناطق المحيطة بها.
 
وتتوازى هذه الخطوة مع الانتهاء من تطوير موقع قلعة القطرانة الأثري وربطه بمسارات سياحية تمتد عبر الجنوب الأردني في إطار مشروع وطني لتطوير القلاع والقصور الصحراوية، بما يحوّل التراث إلى مصدر إنتاج فوق أهميته التاريخية والحضارية.
 
والسياحة في الرؤية الملكية أداة لتحفيز قطاعات أخرى؛ إذ ستنعكس الحركة السياحية على نشاط الأسواق والمطاعم والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وستسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتعزيز الاندماج بين المجتمعات في المدينة القديمة وضواحيها.
 
الكرك بهذا المشروع تستعيد حضورها كمدينة نابضة بالحياة، وتتحول إلى نموذج حيّ لاقتصاد المحافظات القائم على الهوية المحلية والموروث التاريخي.
 
في كلمات جلالة الملك خلال اللقاء، وفي مشهد الحضور الشعبي العريض، تتجلى فلسفة القيادة التي تقوم على المتابعة الميدانية المباشرة.
 
فالملك لا يكتفي بإصدار التوجيهات أو بإقرار المشاريع من وراء المكاتب، بل يعود بنفسه إلى الميدان، يتحقق من التنفيذ، ويتحدث إلى المواطنين، ويستمع إلى الملاحظات والتحديات، ويحثّ المسؤولين على تجاوز المعوّقات.
 
هذا النهج يرسّخ مبدأ مؤسسياً مفاده أن التنمية الحقيقية تبدأ من الميدان لا من المكاتب، وأن مسؤولية الحكومة لا تنتهي عند التوجيه بل تبدأ به.
 
رئيس الوزراء أشار في كلمته إلى أن أول اجتماع لمجلس الوزراء عُقد في الكرك قبل عام، في دلالة رمزية على نقل مركز القرار إلى المحافظات، خصوصاً بعد الجولات الميدانية الناجحة في النتائج والأثر التي نفذها على مدى عام وشهرين هو عمر الحكومة تقريباً، واليوم تأتي الزيارة الملكية لتكمل الحلقة بالتقييم والمتابعة والمساءلة.
 
وليس من قبيل المصادفة أن تتزامن هذه الزيارة مع ما قاله جلالته في خطاب العرش الأخير أمام مجلس الأمة: «علينا الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، لمواصلة تحقيق النمو وإقامة المشاريع الكبرى وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة».
 
فجلالته يؤكد مجدداً أن الأردن لا يملك رفاهية الوقت ولا مجال للتراخي، وأن التنمية ليست ترفًا مؤجلاً بل واجب وطني عاجل، وهو ما يفسّر تكثيف الزيارات الميدانية خلال العامين الأخيرين لمتابعة المشاريع التنموية الكبرى في مختلف المحافظات.
 
منذ عام 2006، شهدت الكرك تنفيذ عشرات المشاريع الملكية في مجالات التعليم والشباب والصحة والسياحة والبنية التحتية، تجاوزت قيمتها 50 مليون دينار، وهي مشاريع شكّلت بنية تأسيسية لمرحلة تنموية جديدة.
 
ويجري اليوم تنفيذ خطة تطوير سياحي للمحافظة للأعوام 2025-2026، تشمل إحياء المدينة القديمة، وتطوير وادي الموجب ووادي بن حماد، وتوسيع الخدمات في مدينة الأمير الحسين بن عبدالله الصناعية، إلى جانب مشروعات في الصناعة والزراعة والنقل والصحة. وقد أشار رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف العيسوي إلى تشكيل لجنة بمشاركة المجتمع المحلي لإعداد خطة متكاملة للمحافظة على قلعة الكرك وإعادة الحياة للمدينة القديمة، ما يعكس التوجه نحو شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المحلي في صنع التنمية.
 
وفي الوقت ذاته، عبّر ممثلو الكرك عن تقديرهم لتوجيهات جلالته وحرصه على المتابعة الشخصية، مؤكدين أن الكرك كانت وما زالت نموذجاً للوئام والعيش المشترك والانتماء الوطني، فيما أشار المتحدثون من المزارعين والنساء والرياضيين إلى أثر المشاريع المنفذة في تحسين الواقع الخدمي والمعيشي وتوسيع فرص العمل والإنتاج المحلي.
 
إن هذا التلاقي بين القيادة والمجتمع المحلي يعكس النهج الهاشمي في التنمية الشاملة، الذي لا يفرّق بين مركز العاصمة وأطراف البلاد، بل يؤكد أن التنمية حقّ لكل محافظة وواجب على الدولة أن تضمن تحقيقه بعدالة. المشهد الذي يرسمه الملك في الكرك لا يقتصر على متابعة المشاريع، بل يقدّم نموذجاً للقيادة بالقدوة: أن يكون القائد أول من يتابع وأول من يسائل وأول من يخطو إلى الميدان.
 
فحين يكون جلالة الملك بين أهله وعشيرته، يستمع ويلاحظ ويأمر بالتنفيذ، فإن ذلك يرسل رسالة واضحة إلى كل مستويات السلطة التنفيذية بأن المكان الطبيعي للمسؤول هو بين المواطنين.
 
بهذا المعنى، تشكل الكرك اليوم مرآة لنهج الدولة في التحديث والتنمية المتوازنة، وتجسيداً حياً لرؤية جلالته في أن تكون المحافظات شريكة في صنع النمو لا متلقية له.
 
وكل ذلك يلتقي مع جوهر رسالة الإصلاح الشامل التي أكدها جلالته في خطاب العرش: «أن التحديث السياسي هدفه خدمة الأردن لا خدمة الأفراد أو التيارات، وأن الوطنية هي البوصلة والمعيار لكل عمل سياسي أو اقتصادي».
 
الملك إذًا لا يفصل بين السياسة والتنمية، ولا بين الإصلاح الإداري والنمو الاقتصادي، بل يرى في التحديث مشروعاً وطنياً متكاملاً لا يكتمل إلا حين تُلمس نتائجه في حياة المواطن.
 
ومن الكرك، يؤكد جلالته أن العمل الميداني هو لغة المرحلة، وأن الأردن، بثقة قيادته وإرادة شعبه، يمضي في طريق التحديث بثبات وعزم، نحو مستقبلٍ عنوانه: التنمية للجميع وبعدالة، والإصلاح بالانجاز والفعل، والقيادة بالقدوة والنموذج.