Wednesday 8th of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2017

العلاّمة ابراهيم السامرائي وحديث السنين - ابراهيم العجلوني
 
الراي - كانت تربطني بالراحل الكبير الدكتور ابراهيم السامرائي رحمه الله مودة حميمة. وما زلت احتفظ برسائل منه كانت تتوارد عليّ من صنعاء ومن القاهرة, جعلتها في الاعلاق النفيسة مما اذخره من الاخوانيات. وقد أهداني قبل انتقاله الى الرفيق الاعلى كتابه: «حديث السنين» فكتبت في حينه عن اهمية الكتاب الذي لا يقل شكلاً ومضموناً عن كتاب الايام لطه حسين, والذي كان جديراً بأن يوليه الاردنيون والعراقيون اهتماماً خاصاً, ثم أهداني نجله الاستاذ علي السامرائي كتاب: «فوات ما فات من حديث السنين» فحالت الايام دون أن افرغ لقراءته حتى أتفق لي قبل ايام ان انظر فيه, فكانت تلك مناسبة لاستذكار استاذنا أبي عليّ الذي عاش في الاردن سنين من عمره, واحبّ اهله واحبوه, واشتغل فيه بالتعليم الجامعي, حتى اذا تقدّمت سنّه حيل بينه وبين ذلك, الامر الذي أمضّه كثيراً فوق ما كان يعانيه من غربة عن العراق. وقد كان حرياً بمؤسستنا الاكاديمية ان تفيد من وجود هذا العلامة في الاردن, وأن يكون متبدأ تقدير يكافئ قيمته العلمية والادبية.
 
ولقد كان «حديث السنين» اقرب شيء الى أن يكون سيرة ذهنية وجدانية تستغرق نصف قرن أو أكثر من حياة الادب والثقافة في العراق والعالم العربي. وهو كتاب لم يأخذ حقه وما هو جدير به من الدرس والتحليل, فعسى أن ينهد الاردنيون والعراقيون الى ما يجب عليهم من ذلك.
 
***
 
اما كتاب: «فوات ما فات من حديث السنين» فهو أحاديث مصطفاة في الادب والنقد ومحاورات فيهما تذكرنا بالامتاع والمؤانسة للتوحيدي وان كان الادب وتاريخه هما قوامها وما ابتنيت عليه, ولقد يصح لنا اعتبار الكتاب تكملة لما سبقه من سيرة ابي علي رحمه الله, كما يصح لنا اعتباره كتاباً قائماً بذاته. وهو في كل حال كتاب حافل بالفوائد الفرائد التي نحب أن يشاركنا القراء الكرام في لذة توسمها والوقوف المتدبر ازاءها.
 
***
 
من ذلك ما اورده الاستاذ السامرائي من رثاء الشريف الرضي للخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز, اذ يقول فيه وفي «دير سمعان» الذي دفن على مقربة:
 
يا ابن عبدالعزيز لو بكت العين فتى من امية لبكيتك
 
انت انقذتنا من السب والشتم فلم امكن الجزاء جزيتك
 
دير سمعان لا عدتك العوادي, خير ميت من آل مروان ميتك
 
ومنه كذلك ما اورده في هذا السياق من قول عمر بن عبدالعزيز حين حضرته الوفاة لصاحب دير سمعان: «يا ديراني إني قد بلغني ان هذا الموضع ملككم» فقال: «نعم». فقال: «إني احب ان تبيعني منه موضع قبر سنة, فاذا حال الحول فانتفع به», فبكى الديراني وباعه فدفن فيه..».
 
وإن أوّل ما يحضرنا من دلالة هذه الرواية سعة وجدان الشريف الرضي وهذه الابيات الثلاثة التي وقع عليها الدكتور السامرائي, ثم لم يجدها بعد, لا في الطبعة الهندية من ديوان الشريف الرضي, ولا في طبعة دار صادر اللبنانية.
 
كما يمكن لنا التأمل في طلب عمر بن عبدالعزيز من صاحب دير سمعان ان يبيعه موضع قبره, ففي ذلك درس في طبيعة التعامل بين الخليفة المسلم وبين مواطنه الكتابي.
 
***
 
على أن لنا عبرة في تعقيب الدكتور السامرائي على قول من قال يهجو حرفة التعليم:
 
ايا حرفة الزمنى ألمّ بك الردى
 
اما لي خلاص منك والشمل جامع
 
لئن قنعت نفسي بتعليم صبية
 
يد الدهر إنّي بالمذلة قانع
 
وهل يرضين حر بتعليم صبية
 
وقد ظن ان الرزق في الارض واسع
 
فقد جاء في تعقيبه على هذه الابيات ما يظهرنا على جانب من تجربته او من معاناته وما كان كابده فيها, حيث يقول رحمه الله: «والله لقد رضيت انا بحرفة التعليم, وكان لي بها علاقة حب اكيد, لقد رضيت بها وأعلم ان ذات يدي بها غير مفلحة, فأبى عليّ القوم (!) أن أمضي فيها, فزعموا أني كبرت, وقد ادركني البلى, وما علموا أني ما زلت ابن بجدتها, فأين أنا من هذا الضلال؟!».
 
***
 
واشهد, بعد تراخي السنين ما بين ضحى الثمانينات, حيث كنت اعمل في مجمع اللغة العربية الاردني وبين يومنا هذا, أن استاذنا أبا علي كان يقضي الساعات الطوال في مكتبة المجمع, يقرأ ويكتب, ويحاور من يختلف الى المكتبة من اساتذة العلم وطلبته, وأنه كان انموذجاً للمعلّم الرائد الذي لا يضنّ بمعارفه, الى روعة اسلوب ودماثة خلق وبالغ حكمة هيهات ان تتوافر في امرئ, ثم يعقّه قومه ولا يقدرونه قدره, إلا كانوا هم الأخسرين.