Wednesday 10th of December 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Dec-2025

وهم الهدوء

 الغد

إسرائيل هيوم
 يئير مراتون*   9/12/2025
 
 
 
الشرق الأوسط في نهاية 2025 يعيش في توتر من الصعب وصفه بالتعابير القديمة. فلم يعد هذا هو الواقع الفوضوي للعقد السابق ولا فترة التفاؤل لاتفاقات التطبيع التي وعدت بعصر جديد. فالمنطقة تدخل الى مرحلة أخرى هي "الغموض الثالث": وضع لا توجد فيه حرب شاملة، لكن أيضا لا يوجد سلام. هذا واقع عنف مقنون، استخدام قوة موضعية، خطاب حماسي لكن دون نية حقيقية للتصعيد. كل الأطراف تلعب الشطرنج، لكن أحدا ليس مستعدا لان يضحي بالملكة. وعندما لا تكون حرب ولا يكون سلام، فهذا هو الخط الأكبر: من يمتشق أولا، من أين يأتي الشر.
 
 
ايران اضعف اليوم وبالتالي اخطر. بعد سلسلة تصفيات، هجمات جوية وتشويشات بنى تحتية في سورية، يواصل المحور الشيعي فقدان ذخائر استراتيجية. إسرائيل والغرب اطلقا ضربات دقيقة صفت قادة، أحبطت تهريبات ومست بقدرات حزب الله والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق وفي سورية. لكن هذا الضربة بالذات تخلق واقعا متفجرا: ايران غير قادرة على حرب شاملة وبالتالي ترد حيث يؤلم، حيث يمكن النفي، حيث يمكن "فحص حدود" دون اشعال المنطقة. ايران تنتقل الى نموذج "قرصة دائمة": عمليات عالمية، محاولات تهريب ذكية، هجمات بالحد الأدنى – بما يكفي الحفاظ على النفوذ، بما لا يكفي لإشعال حرب. حزب الله ملزم بالرد، وملزم بعدم التصعيد. يعمل التنظيم الآن في شرك تاريخ. حرب شاملة ستصفي لبنان وتمزق قاعدة دعمه. بالمقابل، اذا قعد هادئا، فسيفقد مكانته في المعسكر الشيعي وسيده الإيراني سيفقد الثقة به. ثقة هي على أي حال تضررت لدرجة الاذلال. وعليه فان حزب الله يختار الحل الوسط، في هذه اللحظة نظريا فقط: هجمات بوزن متوسط، "صيانة النار"، ضرب للبنى التحتية العسكرية الإسرائيلية دون الوصول الى شرايين اللحياة، وحفظ دائم لاحساس التوتر. صحيح حتى هذا الوقت فانه يتعرض أساسا للضرب من إسرائيل ويوجد في حالة دونية متزايدة. هذا هو الغموض الثالث: يكفي كي لا يعد ضعيفا، لا يكفي كي يدهور الشرق الأوسط الى حرب شاملة.
السعودية، التي تركز على خطط محمد بن سلمان الكبرى، تريد الاستقرار وليس الثورات. الولايات المتحدة مشغولة اكثر بالمنافسة مع الصين مما بالشرق الأوسط. كلتاهما تمارسان الضغط على إسرائيل: حافظوا على نار هادئة. لا تفتحوا جبهة شمالية، لا تخلقوا خطوة تلزمنا بالتدخل.
ليس لإسرائيل مجال عمل كامل، وهذا الضغط يؤطر الواقع: لا سلام، لكن أيضا لا حرب. إسرائيل اقوى اليوم في التكتيك، في قدرات الاستخبارات، في الدقة وفي العمليات الجراحية. يوجد لها ردع موضعي في كل ساحة تقريبا، لكن مجال المناور الاستراتيجي صغير. كل خطوة يجب أن تقف في اختبارات واشنطن، الرياض والساحة الدولية. هذا يدخل إسرائيل الى وضع يجعل حتى نجاحاتها تخلق وضعا حساسا: لا يمكن إعطاء حزب الله حرية عمل لكن أيضا لا يمكن "فتح السد". ومن هنا الخطورة الأكبر، وهم الهدوء. في وضع السلام توجد قواعد. في وضع الحرب توجد اهداف واضحة. لكن في وضع "الغموض الثالث" يوجد وهم واحد كبير في أن كل شيء تحت السيطرة.
هذا الوضع مرشح لخطأ بشري. يكفي صاروخ واحد يخرج عن هدفه، تكفي تصفية واحدة لم تخطط جيدا، يكفي اطلاق طائش في لبنان او في العراق – والنار المقنونة من شأنها أن تصبح انفجارا إقليميا. الشرق الأوسط لا يسير الان الى السلام. كما أنه لا يركض الى الحرب. هو يتقدم الى مجال أوسط خطير، فيه كل طرف ينتظر الفرصة – لكنه يخاف ان يقع فيها.
في عصر الغموض الثالث، من يعتقد ان المنطقة هادئة هو ببساطة لا ينصت جيدا او يختار ألا يسمع. 
*مستشار إستراتيجي ومدير أزمات