الغد-هآرتس
بقلم: آفي شيلون
التقارير عن إمكانية اتفاق مع سورية الجولاني تبعث الآمال إلى جانب الشكوك. فمن جهة، واضح أن الإمكانيات التي وجدت لإسرائيل في أعقاب تحطم محور الشر يجب أن نعرف كيف نحققها في تسويات سياسية. السلام مع سورية سيكون تغييرا تاريخيا في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، ولا يوجد موعد أفضل للتوقيع على اتفاق من الموعد الذي تكون فيه إسرائيل في ذروة قوتها، فيما أن سورية هي ظل ما كانت عليه. كما أنه لا يوجد ما يدعو إلى التخوف مما يسمى "الجهادي في البدلة"، لأنه ضمن الاتفاق أيضا لن تتنازل إسرائيل عن تفوقها العسكري وستواصل الرقابة الاستخبارية على حدود الشمال. الاتفاق سيجعل من الصعب فقط على الجولاني أن يتغير.
من جهة أخرى، يطرح السؤال ما الذي يمكن اعطاؤه بالمقابل، على فرض أنه ليس من المعقول الانسحاب من هضبة الجولان. وكذا ما هو المعنى من التوقيع مع دولة ليس لها في هذه اللحظة ما تعرضه، وبالتأكيد ليست النزهات في دمشق التي تعد إحدى أجمل المدن في المنطقة. فإن سياسة ذكية يفترض بها أن تبحث عن الفرص لا أن تغلق عليها نفسها بالمخاوف.
يمكن التفكير في الوضع الحالي أيضا عبر قضية تاريخية دحرت إلى هوامش الذاكرة العامة. في العام 1949، بعد وقت قصير من نهاية حرب الاستقلال، عندما رفضت الدول العربية الاعتراف بإسرائيل واستجابت فقط لاتفاقات وقف النار، فإن سورية بالذات فاجأت باقتراح نقل إلى بن غوريون عبر وسطاء أميركيين: دمشق ستستوعب 300 ألف لاجئ فلسطيني وبذلك تحل لإسرائيل مسألة اللاجئين وستكون الأولى للتوقيع على اتفاق سلام كامل معها. بالمقابل، طلبت سورية أرضا تربطها ببحيرة طبريا، تعديلات حدودية معينة ومساعدات اقتصادية من الغرب.
رغم أن الاتفاق كان يمكنه أن يفتح لإسرائيل طريقا لإخراج نفسها من دائرة العداء تجاهها، بن غوريون تردد. فقد خاف من أن حكم حسني الزعيم في سورية الذي صعد هو أيضا في انقلاب عسكري، ليس مستقرا بما يكفي كي يثق به – وقلق من قوى أخرى في سورية عارضت الاعتراف بإسرائيل. رغم الإغراء للتخلص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، خشي بن غوريون أيضا من أن تمس الصلة السورية في بحيرة طبريا بالاحتياطات المائية لإسرائيل. كما أن حقيقة أن الزعيم امتنع عن عرض اقتراحه مباشرة أقلقت "الختيار". في نظرة إلى الوراء، كان هذا عرض السلام الأكثر جدية الذي رفضته إسرائيل بعد قيامها، ويحتمل أنه كان بوسعه أن يغير وجه الشرق الأوسط.
مع ذلك، بن غوريون كان محقا. حكم الزعيم سقط في انقلاب بعد نحو نصف سنة فقط، ولا يمكن أن نعرف إذا كان الاتفاق سيحترم من الحكم التالي. منذئذ وحتى أيامنا هذه كانت سورية مشاركة في حروب واحتكاكات عسكرية مع إسرائيل، ومحاولات الوصول إلى اتفاق في أواخر التسعينيات مع الأسد الأب لم تنضج.
الدرس من اقتراح الزعيم في العام 1949 مركب. يحتمل أن الموقف الإيجابي من اقتراحه من جانب إسرائيل، تأييد الغرب كان سيثبت حكمه ويثبت السلام؛ من جهة أخرى، شكوك بن غوريون حول مستقبل حكمه ثبتت كصحيحة. في كل حال، من المهم أن نتذكر أن الفرصة السياسية لا تكرر نفسها بسهولة. يحتمل أن تكون حالة الجولاني، رغم التحفظات المفهومة، هي إمكانية تاريخية أخرى لن تتكرر أفضل منها قريبا.